في جلسة لطيفة على مقاعد حافلة السفر خضنا أنا وصديقتي في حوار لا يعدو عن النقاش في أمرٍ مسلّمٍ له لكننا ندركه أحيانا مبكرا وأحيانا بعد فوات العلاقات، فاتحة الحوار حين سألتني هل من الممكن أن نفترق؟

كان بإمكاني الإجابة عن هذا السؤال بصورة بنكهة العاطفة والوعود التي لا تخضع لمقياس الزمن حين كنتُ في الإعدادية عندما أجيب بأننا لن نفترق أبدا فأنت تعنين لي الكثير وغيرها من الاجابات التي كل قارئ الآن يستحضر وعوده لشخص ما ربما لم يعد موجودا في حياته، إلا إن السؤال كان من شخصية ناضجة وتحتاج إلى إجابة منطقية وواقعية أقرب للفهم فأخبرتها (ربما) أو أكثر دقة حتما، لم تكن الاجابة صادمة بالنسبة إليها وخضنا في تفاصيل التفسير.

في كل مرحلة عمرية نمرُّ بها نتعرف على أقران جُدد وبعض الجيران ومنظومة الأقارب لكن هذه المنظومة تتسع وتضمحل حسب الظروف المحيطة بدائرة هذه العلاقة، فصداقات الابتدائية والمتوسطة والثانوية والجامعة هناك من نستهم الذاكرة وهناك من علقوا بها وحتى العالقون ليس بالضرورة أن تربطنا بهم علاقة وثيقة أو تواصل دائم فهناك من انقطع أثرهم لكننا حين نريد أن نستشهد بمواقفهم فهي حاضرة إلا أنهم غابوا في معترك هذه الحياة، هذه المسيرة هي واقع لا مناص منه، وحتى الأحبة منهم الأيام تستبدلهم بالأعز وهكذا تصل إلى لا يبقى من الأشخاص إلا أسماؤهم وقد تمحى، هذه دورة حياة العلاقات تنمو وتصل أوجها ثم تضمحل إلا بعض العلاقات تبقى مقدسة إلى آخر العمر والتي يتم ضمان ديمومتها وغالبا ما نكون مقصرين تجاهها وكلما ازددنا نضجا تعلقنا بها أكثر ونصل أحيانا الى درجة الاكتفاء بها ألا وهي العائلة هي الجزء الذي لا يتجزأ من الفرد مهما عصفت الظروف و ابتعد عنها، مهما راودته أفكاره الساذجة بأنه لا ينتمي إليهم ولا يريدهم لكنه مجبر على العودة وفهم الحكمة من تصرفهم.