في زمنٍ تتسارع فيه وتيرة التقدّم الرقمي، وتتداخل فيه الثقافات وتتلاقى الأفكار عبر الشاشات الصغيرة، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي نافذة كبرى تطلّ منها الشعوب على بعضها البعض، لم تعد هذه الوسائل مجرّد أدوات ترفيه أو تواصل عابر، بل تحوّلت إلى منصات حيوية تحمل على أكتافها رسائل إنسانية عظيمة، وقضايا وجودية خالدة، ومن بين تلك الرسائل التي شقّت طريقها وسط ضجيج العالم الرقمي، تبرز الرسالة الحسينية، بقيمها الراسخة في الضمير الإنساني، وبندائها الأزلي ضد الظلم والطغيان.
في قلب هذه الثورة الرقمية، استثمرت الرسالة الحسينية المنصات الأكثر انتشارًا، لاسيّما بين فئة الشباب، لتجد لها موطئ قدم في عقول تبحث عن معنى، وقلوب تتوق إلى العدل والكرامة، عبر تطبيقات مثل إنستغرام، ظهر الجانب البصري للرسالة الحسينية، من خلال تصاميم غرافيكية راقية تتضمّن اقتباسات من الإمام الحسين (عليه السلام)، وصورًا ملهمة من كربلاء، إلى جانب القصص التفاعلية التي تشجّع الجمهور على الانخراط والسؤال، والسلاسل الروحية التي ترصد تحوّل الأفراد بعد تعرّفهم على فكر الإمام الحسين، مما يمنح القيم الحسينية بُعدًا إنسانيًا حيًا.
أما على يوتيوب، فقد وجدت الرسالة طريقها عبر المحتوى الوثائقي الذي يعيد رسم المشهد الكربلائي بلغة معاصرة، بالإضافة إلى بودكاستات فكرية شبابية تناقش قضايا عالمية من منظور حسيني، مثل الفقر، وحقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية.
وتأتي منصة تويتر لتؤكّد أن الاختزال لا يُفقد المعنى عمقه؛ فالتغريدات الموجزة التي تحوي اقتباسات وشرحًا مبسّطًا لها، ووسومًا أسبوعية، تحوّلت إلى ساحات للتأمل وتبادل المعرفة الحسينية، مما منح الرسالة قدرة على التسلل إلى وعي المتابعين بسلاسة وإيجاز.
وفي الفضاء الرحب لمنصات مثل تيك توك، تُروى كربلاء من جديد، في مقاطع تمثيلية وإبداعية، تُترجم معاني الشجاعة والتضحية إلى لغة العصر، فتصل إلى القلوب الصغيرة والكبيرة على حدّ سواء، ومع توسّع التأثير، ظهرت الوسوم العالمية التي ربطت نهضة كربلاء بقضايا الإنسان في كل مكان، مثل الحرية، والعدالة، والوقوف في وجه الظلم، لم تُستخدم هذه الوسوم للترويج فقط، بل لتوحيد وجدان إنساني يتشارك المعنى العميق لكلمة "حسين".
ولم يتوقّف النبض الرقمي عند هذا الحد، بل تجاوز الشكل إلى الخدمة، من خلال المواكب الرقمية التي تُقام فيها المجالس، والمحاضرات، واللطميات، فتغدو العزاءات عالمية لا تعرف حدودًا، وكذلك حملات التبرّع باسم الإمام الحسين (عليه السلام)، التي تأخذ طابع الصدقة الجارية، في مشاهد حيّة تُجسّد البعد العملي للقيم الحسينية، ويُضاف إلى ذلك جهود الترجمة التي بذلها متطوّعون لنقل المجالس والخطب إلى لغات متعددة، مما أتاح لشعوب لا تتحدث العربية أن تكتشف نور كربلاء.
ولأن الفكر لا ينمو إلا بالحوار، وجدت الرسالة الحسينية في المنصات الحوارية مثل Clubhouse متنفسًا للنقاشات والمناظرات الفكرية والإنسانية، تجمع بين ثقافات وديانات مختلفة، وتسهم في تقديم الحسين (عليه السلام) كرمز عالمي للقيم السامية.
وهكذا، تُثبت الرسالة الحسينية مرة أخرى أنها ليست حبيسة الماضي، بل هي نبض مستمر يسري في ضمير الإنسانية، ويتجدّد مع كل وسيلة وكل جيل، ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي، أصبحت كربلاء حاضرة في العالم الرقمي كما كانت في التاريخ، يتردّد صدى (هيهات منا الذلة) في كل لغة، ويتقدّس اسم الحسين (عليه السلام) في كل قلب توّاق للحرية والحق.
إنها رسالة لا تُطفأ، وقضية لا تموت، ومشروع إصلاحي خالد، يسطع من كل شاشة، ويُروى في كل سطر، ويُحيا في كل روح مؤمنة بالعدل والإنسانية.
المرفقات

واحة المرأة
يعنى بثقافة وإعلام المرأة والطفل وفق طرح عصري