توارت في ركن غرفتها التي ما زالت تعبق برائحة كتبه وبزّته العسكرية المرصعة بدمائه, صمتت لوهلة وكان لصمتها هدوء يشبه هدوء المقابر وفي جوفها ألف حكاية وألف سؤال.., قلبها يئن وروحها المنتزعة من جوانحها تعاتب صورته المعلقة على الجدار الذي امتلأ بآثار طفولته ورسوماته التي اختزلت حكاية وطن حيث رسم علم العراق بأنامله الصغيرة كانت تخاطبه بصمت ودموع , لم تكن تشبه تلك المرأة القوية التي ودعته حينما التحق .
احكمت نظراتها نحو عينيه وبدأت تناجيه.., ولأنها تنبض بأمومتها رسمت لروحه طريقا بالدعاء وكأنه ما زال يحتاج لذلك الدعاء الذي كانت تحصنه به كل صباح.
لم تتوقّع أن المرض سيغدو رفيقها المقرب, ولم تجد سبيل يسكّن وجعها كلما ألمّ بها الوهن.. أضحى الصبر رفيقها وهي مستلقية على فراشه لتضمد به جراح الغياب وتتوسل شفاء جرحها بثواب من الرحمن وتغمض عينيها لتسافر بخيالاتها حيث تلك الأيام التي كانت تبدأ بضحكاته وتنتهي بصوت تهجده.
انتظرت حلم النصر بفارغ الصبر حتى تقرّ عينها وهي تزف البشرى له, هي تدرك تماماً إن سعادته هناك ينقصها الثأر لكل قطرة دم طاهرة وما خالف حلمها إنه زفّ لها بيان النصر بصوته وصورته وهو يدور في غرفته مهللا, فرحاً وهي تحاول أن تصدق هذه المعجزة التي أعجزتها عن النهوض لاحتضانه بشعورها الذي أثقله الشوق والحنين.
لم يكن حلمها طويلا وآذان الفجر مسح على جبينها بصدى المآذن فأيقظها وأيقظ رغبتها في الحياة فبعض الأحلام تتسلل للواقع وتبلسم بعض الجراحات فهيأته كانت جرعة أمل في جسدها الذي نَحل من فرط الغياب.
النور كان ينفذ من موضع جراحاته وعبق عطره مازال عالقا على الستائر وهي تفتش بعينيها الذابلتين عن بقايا ملامح له كانت هنا قبل أن يأسرها الواقع بحقيقة الفقد .
تبدد هدوء الفجر بتسابيحها وصوت قنوتها الذي أعقبه تسلل جدائل الشمس المترامية فوق متن الأرض, تخرج وظلها الممشوق يسير أمامها .. وكأن ذكرياتها معه نعش تحمله فوق كتفها لتطمئن على روح فقيدها الأغلى الذي تسامت روحه .. لتبقى تنبض بالحياة مع رفيف حمائمه التي تنوح على حلم رحل ..تاركا خلفه وطن جريح وثكلى لم تنس ابتسامته.
إيمان كاظم الحجيمي
واحة المرأة
يعنى بثقافة وإعلام المرأة والطفل وفق طرح عصري