دخل استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي نواحي الحياة جميعها، وصارت كل مؤشرات نمو قطاعات الأعمال معتمدة على تلك الأدوات بشكل أساس، ومع انطلاقة ما يعرف بالذكاء الاصطناعي التوليدي، صارت قواعد البيانات، المتكونة من مواقع الويب والتطبيقات وشبكات التواصل الاجتماعي المتاحة، وباقي المصادر الرقمية المفتوحة، النابض الرئيس في حراك أدوات هذا الذكاء وتقاناته، الأمر الذي يحتم علينا التفكير في إيجاد استراتيجية عراقية، تختص بالمرأة العراقية، تلبي احتياجاتها اليومية، وبالشكل الذي يراعي القيم والعادات والتقاليد السائدة في مجتمعنا!

 

تحيز القيم!

تعاني معالجات قواعد البيانات في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، من مخاطر "التحيّز القيمي للبيانات"، وهو ما ينزل بأثره السلبي، في أية معالجة رقمية لها، وعبر أغلب البرامجيات والتطبيقات، التي تعتمد في برمجياتها على أدوات جرى تدريبها على القيم "البديلة"، لأهداف متعددة، ومنها ما يتعلق بالتطبيع القيمي بين المجتمعات، لغرض إيجاد أسواق مفتوحة لنتاجات المجتمعات الأخرى لدينا، وعلى جميع الاصعدة والمجالات، فهل فكرنا بواقع المرأة في ظل هذه المخاطر وعملنا على ايجاد آليات لحماية خصوصيتها؟

ببساطة، يمكننا القول: بان معالجات البيانات التي يجري إدخالها من قبلنا، على وفق القيم التي ترتبت المرأة عليها، وتوافقت مع مجتمعاتنا، لن تكون مخرجاتها متوافقة مع هذه القيم بالضرورة، بل يمكن ان تعمل على المدى البعيد، بإعادة تشكيل البعض منها، نتاج (التحيّز القيمي) الذي تحدثنا عنه، وهو ما يدعونا إلى إعادة النظر في آليات الإعداد لمواجهة مخاطر الذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي صار حقيقة لا يمكن القفز عليها أو نفيها، وبالقدر الذي يمكننا أن نعمل عليه، على وفق الآليات المتاحة.

إلى جانب تلك المخاطر، هناك ما يعرف بأدوات (التقييد)، التي باتت هماً مؤرقاً في صناعة المحتويات الرقمية، حين تتناول قضايا ومسميات، لا تلاقي قبولاً من واضعي خوارزميات شبكات التواصل الاجتماعي، والتطبيقات الرقمية ومواقع الإنترنت، تحت ذرائع شتى، الأمر الذي يقوّض من فرص الوصول بالمحتويات والنتاجات الرقمية بأريحية إلى الجماهير المستهدفة من شرائح المستخدمين، وخاصة المرأة.

وقد يصل أثر (التقييد) ذروته برفض تمويل العديد من المنشورات والصفحات والتطبيقات والخدمات، وبما يعمل على تفويت الكثير من فرص التسويق الناجح، أو حتى إيقاف تنشيط الحساب أو الموقع بشكل مؤقت، أو حذفه نهائياً هذا الهم كله: هل فكرنا في آليات منطقية في مواجهته، أو حتى إيجاد البدائل والخيارات الفاعلة في تقليل اضراره على المرأة؟

 

المواجهة بذكاء!

حين تكون أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، الأكثر فاعلية واستخداماً في هذه المرحلة، فان يعني ضرورة أن نفهم قواعد عمله وأساساته، وأن تكون لدينا آليات رقمية، تجانب استراتيجيات بناء شخصية المرأة وتنشئتها مجتمعياً، بالنظر للدور الكبير لتلك الأدوات، في عملية التنشئة نفسها!

يعتمد هذا (الذكاء) بشكل أساس على التدريب، وعلى الرغم من ان هذا التدريب قد يتضمن (التحيّز والتقييد) في أساساته، إلا ان يعتمد في كل الأحوال على قواعد البيانات المتاحة، حين يقاطع الأوامر التي يطلبها المستخدمون من أدواته، بين البيانات التي يمكنه الوصول إليها، ويخرج منها بالنتيجة!

هل فكرنا بتشكل قواعد بيانات عراقية، تتوافق مع قيمنا ومجتمعاتنا، ووفرناها عبر مصادر المعلومات المفتوحة، من مواقع الويب وغيرها، بدلاً من ان نترك تلك الأدوات، معتمدة على البيانات التي جرى انتاجها من مجتمعات أخرى، على وفق القيم التي انتجت فيها، وهل أنصفنا أنفسنا بإيجاد البديل التي نريد ان يكون فاعلاً؟

هذا يتطلب العمل باستراتيجية عراقية لبناء الاصول الرقمية، تحدد ملزمات التواجد العراقي على الويب، والتوثيق لجميع المنتجات والمنجزات الوطنية، والأشخاص الفاعلين في البناء والتطوير والتنمية، تكون متاحة لأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، حتى تعتمدها على المدى المنظور، مصدراً سانداً في بناء محتوياتها لعموم المستخدمين، وان يكون لواقع المرأة العراقية وخصوصيتها المجتمعية والثقافية المساحة المتاحة في ذلك.

وفي مقابل التحيز القيمي والتقييد الرقمي، الذي يمكن ان يقوض بعضاً من جهود بناء تلك الأصول الرقمية العراقية، بشكل ممنهج وغير عشوائي، فان ابرام العراق لبروتوكولات التعاون مع شركات التواصل الاجتماعي، ومحركات البحث العالمية، وكل الجهات الانتاج الرقمي الدولية، لوضع سياسات التحكم بهذا التقييد أو التحيّز، وما هو ما فعلته العديد من دول المنطقة، في مسعى ان نكون فاعلين ايجابيين في عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي، وان نوقف عملية (الاستنزاف) القيمي في مجتماعتنا، نتاج (سطوة) تلك الأدوات من دون رقيب أو حسيب!