آه ... كم أعشق هذه الحالة الجوية التي أحسبها لغة الغيوم ورسائلها لأهل الأرض ! .
وأخيراً سأتنفس رائحة التراب المبلل .. وأحضر قهوتي على عزف وقع المطر لعلي الملم شتاتي وأطلب المغفرة على عقوقي للقلم .. بعد ان طال صمتي عن الكتابة هذه المرة ، وكأني مصابة بداء الجحود أو ارتفعت عندي مرارة الأيام لتصيبني بحمى اليأس .. فعلي أن أبحث عن نفسي وأجدها قبل أن أجد الحبر والورق .. فأنا مع المطر اليوم أشعر بغربة موجعة ..
أتراني كبرت على القفز تحت حباحب المطر ودندنة قصائد السياب ؟ بحثت عن مرآة لأرى إلى أي مدى كبرت وكم بقى لي من الوقت لأهرم ! .
لا .. ما زالت ملامحي فتية ؛ لم تكبر ولم تجد خطوط العمر سبيلاً على بشرتي الشاحبة .. أظن أن روحي هي من هرمت وأصبحت عجوز متكئة على عصا الانتظار ..
وحتى المطر ؛ هو الأخر قد تغير هذه المرة ! ولم يصرخ كعادته ؛ ولم تتوهج قطراته متبخترة بضيائها , وآثر الصمت !!! أين برقه ورعده ؟ ولمَ كل هذا الهدوء ؟
اشتقت لجنوني معه .. اشتقت للبوح بتلك الأسرار التي أخبرتها للمطر ليحفظها ممزوجة بذرات التراب وعلى أوراق الشجر .
وبعد عتب طويل وحيرة مطبقة ... قررت أن أصنع لنفسي درعاً من الأمل ؛ يقيني صدمات الوحدة وطعنات الغربة .
وصرت أبحث بين دفاتري القديمة عن مساحة صغيرة ؛ أكتب فيها سيل حروفي المبللة بالمطر .. ولم تعد لي الرغبة بالكتابة على جذاذة ورقة بيضاء وكأني أكتب لأول مرة ! لأني ما زلت أعاني من فوبيا المساحات الواسعة .
أريد أن أشعر بأني تركت الكتابة قبل دقائق وربما ثواني ... مسافة رشفة من فنجان القهوة ، كي استحضر حالتي الكتابية بطقوسها الصارمة ، محاولة بذلك نسيان كل ما يمكن ان يعذبني ؛ لافظة للانكسار خارج روحي .
احتاج أن ألمس القلم بقلبي قبل أناملي .. وأنتظر الشرارة التي توقد شعلة الإبداع .. وأتهيأ للتحليق في فضاء الخيال الجامح المنشق عن حسابات العقل وقيود الأعراف .
ايمان كاظم الحجيمي
واحة المرأة
يعنى بثقافة وإعلام المرأة والطفل وفق طرح عصري