في ظل التطور التكنولوجي المتسارع الذي يشهده العصر الحالي، أصبحت الشاشات جزءاً لا يتجزأ من حياة الأفراد، بدءاً من الأطفال الصغار وصولاً إلى كبار السن، هذا الانتشار الواسع للتكنولوجيا أثر بشكل كبير على دور الأسرة التربوي، مما أثار تساؤلات حول مدى قدرة الآباء والأمهات على الحفاظ على سلطتهم التربوية في مواجهة هذا الغزو الرقمي، فهل أصبحت الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية ووسائل التواصل الاجتماعي هي المربي الحقيقي للأجيال الجديدة؟ أم أن الأسرة ما زالت قادرة على فرض وجودها كمركز أساسي للتربية والتوجيه؟
لطالما كانت الأسرة هي المؤسسة الأولى المسؤولة عن تشكيل شخصية الطفل وغرس القيم والأخلاق فيه، لكن مع ظهور التكنولوجيا الحديثة، تغيرت مصادر المعرفة والتلقين، فالأطفال اليوم يتعرضون لكم هائل من المعلومات والمؤثرات عبر الإنترنت، والتي قد تتناقض أحياناً مع ما يتعلمونه في المنزل، أصبح بإمكان الطفل الوصول إلى أفكار وآراء مختلفة بضغطة زر، دون وجود رقابة أو توجيه من الوالدين، هذا الوضع يضعف سلطة الأسرة التربوية، حيث لم تعد المصدر الوحيد أو حتى الرئيسي للمعرفة بالنسبة للأبناء، إضافة إلى ذلك، أدى انشغال الآباء والأمهات بأعمالهم ومسؤولياتهم اليومية إلى لجوئهم إلى الأجهزة التكنولوجية كوسيلة لإلهاء الأطفال أو تسليتهم، مما زاد من اعتماد الأبناء على هذه الوسائل وأضعف التواصل الأسري، فبدلاً من الحوار المباشر والنقاشات العائلية، أصبح كل فرد منغمساً في عالمه الافتراضي، مما أدى إلى تراجع التفاعل العاطفي والتربوي داخل الأسرة، ومع الوقت، قد يبدأ الطفل في تبني قيم وسلوكيات من الإنترنت دون أن يدرك الوالدان حجم التأثير الذي يتعرض له، لكن في المقابل، يمكن القول إن التكنولوجيا ليست بالضرورة عدواً للتربية الأسرية، بل هي أداة يمكن توظيفها لتعزيز دور الأسرة إذا أحسن استخدامها، فبإمكان الوالدين استغلال التكنولوجيا في تعليم أبنائهم مهارات جديدة، أو توجيههم نحو محتوى تعليمي مفيد، بل وحتى مشاركتهم في استكشاف العالم الرقمي بطريقة آمنة، بسبب الاندماج النفسي وتعلق الأبناء بأجهزتهم الخلوية ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت مسؤولية الآباء أكبر مما كانت عليه في السابق، فقد بات من الضروري مراقبة الأبناء وتوجيههم بشكل أكبر، خاصة مع سهولة وصول هذه الأجهزة إلى غرف نومهم وفي متناول أيديهم، ورغم أن هذا التغيير هو إحدى سمات تطور العصر الحديث، إلا أنه يستدعي تبني أساليب تربوية جديدة تقوم على مبدأ الاتفاق والتفاهم، بدلاً من المواجهة والعقاب، الذي أثبت عدم جدواه.
لذا، يجب أن يعتمد الآباء على وضع قواعد واضحة لتنظيم وقت استخدام هذه الوسائل، فبعض الأسر تفرض قواعد واضحة لاستخدام الأجهزة، مثل تحديد أوقات معينة للشاشات أو مراقبة المحتوى الذي يتعرض له الأطفال، مما يساعد في الحفاظ على التوازن بين التكنولوجيا والتربية التقليدية وتعزيز مبدأ الثواب والعقاب بطريقة مدروسة، إلى جانب شرح كيفية الاستفادة الإيجابية من الإنترنت بما يخدم نموهم وتطورهم.
في النهاية لا يمكن إنكار أن التكنولوجيا قد غيرت بشكل جذري طرق التربية وأضعفت إلى حد ما سلطة الأسرة التقليدية، لكن هذا لا يعني أن الأسرة فقدت دورها بالكامل، المسألة تتوقف على مدى وعي الوالدين وقدرتهم على التكيف مع هذا العصر الرقمي دون التخلي عن مسؤولياتهم التربوية. فالتكنولوجيا سلاح ذو حدين، يمكن أن يكون أداة تفتيت للعلاقات الأسرية إذا أسيء استخدامه، أو أداة تعزيز لها إذا تم التعامل معه بحكمة ووعي، المفتاح يكمن في إيجاد توازن بين الانفتاح على العالم الرقمي والحفاظ على القيم والروابط الأسرية المتينة.
المرفقات

واحة المرأة
يعنى بثقافة وإعلام المرأة والطفل وفق طرح عصري