الكلماتُ ليست مجرد حروفٍ تُكتب أو أصواتٍ تُنطق، بل هي جسورٌ نصنعها نحو عقول الآخرين وقلوبهم.
فكيف نُتقن بناءَ هذه الجسور؟ وكيف نجعلها متينةً لتحمل أثقلَ الأفكار وأعمقَ المشاعر؟
التواصلُ الفعّالُ ليس مهارةً للنجاح فحسب، بل هو فنُّ الوجود، فمن لا يُحسنه يعيش على هامش الحياة، حتى لو وقف في وسطها، حيث تتحوّل الحواراتُ إلى تأثير، والكلماتُ إلى بصماتٍ لا تُمحى.
وحول هذا الموضوع، حاورنا الكاتبة جِنان الهلالي لنتعرف على أسرار الكلمة المؤثرة:
- ما السرُّ الذي يجعل بعض الأشخاص مُلهمين عند حديثهم، بينما يفشل آخرون في توصيل أفكارهم رغم بلاغتهم؟
- السرُّ ليس في الكلمات، بل في الحضور، المُلهِم لا يكتفي بنقل الفكرة، بل يمنحها حرارةً من تجربته، وصدقًا من مشاعره، واهتمامًا حقيقيًّا بمن أمامه، أما البلاغةُ وحدها، فقد تكون جدارًا منمقًا بين القلوب.
- كيف نُحوِّل الحوار من تبادل كلمات إلى تأثيرٍ حقيقي يُغيِّر المواقف أو المشاعر؟
- بالإنصات والاهتمام أولًا، ثم باختيار الحديث الذي يلمس حاجةَ الآخر، لا غرورَ المتحدث، الحوارُ يصبح مؤثرًا حين يشعر الطرفُ الآخر أنه "مفهوم"، لا "مُدان" أو "مستهدَف"، أو موضع استهزاء، التغييرُ يبدأ من شعور الأمان، لا من سطوة الحُجّة.
- هل يمكن اختزال التأثير الإيجابي في خطواتٍ عملية، أم أنه مهارةٌ داخلية لا تُعلَّم؟
- التأثيرُ الإيجابي يجمع بين المهارات المكتسَبة والأصالة الداخلية، الجزءُ المُتعلَّم يشمل تحسينَ لغة الجسد، اختيارَ الكلمات المؤثرة، وطرائق إقناع الآخرين، أما الجزءُ الداخلي فهو صدقُ النية، والإيمانُ بالفكرة، والالتزامُ بما تقوله، بدون المهارات، قد لا تصل رسالتك بفعالية، وبدون الأصالة، يصبح تأثيرك سطحيًّا، الأفضل هو تعلُّم الأدوات، ثم صقلها بتجارب حقيقية ومواقف تعبّر عن قيمك.
- ما أخطر خطأ يرتكبه الناس حين يحاولون إقناع الآخرين أو إلهامهم؟
- أن يجعلوا الإقناعَ هدفًا لا نتيجة، حين تسعى لإقناع الآخر لتثبت أنك على حق، تخسره، لكن حين تسعى لأن يفهمك حقًّا، حتى وإن لم يتفق معك، تكون قد زرعت بذرةً قد تنبت لاحقًا.
- كيف تخرجين من دائرة "الكلام الجيد" إلى "الكلام الذي يُحرّك الناس"؟
- عندما تكتبين وكأنكِ تقولين شيئًا لشخصٍ تحبينه ولا تملكين وقتًا كثيرًا، يظهر الصدق ويختفي التكلّف، الكلامُ الجيد يُرضي الذهن، أما الكلام المُحرّك فيُلامس الندبة، أو الحُلم، أو الخوف الكامن في القارئ.
- ما العلامة التي تُخبركِ أن النص الذي تكتبينه سيُحدث أثرًا لا يُنسى؟
- عندما أضع نفسي في موضع القارئ، حين تشعرين أنه كتبكِ أنتِ، لا العكس، حين ترتجفين وأنتِ تكتبينه أو تتوقفين فجأةً وتتنهدين، الأثرُ يولد حين يسبقكِ النصُّ إلى مشاعرك، ثم يذهب هو ليطرق أبواب الآخرين.
- إذا كان التواصلُ الفعّال سلاحًا، فما هي الذخيرة التي لا يجب أن تنفد منكِ أبدًا؟
- النيةُ الصافية، لا نبرة الصوت، ولا قوة التعبير، بل نيتكِ في أن تُنيرِي لا أن تُبهري، أن تلمسي لا أن تُدهشي، هذه الذخيرةُ تجعل الكلماتِ سهامَ رحمةٍ، لا شظايا جدل.
في النهاية، التواصلُ الناجحُ ليس ماذا نقول، بل كيف نجعلُ الصمتَ بين الكلمات يَصِفُنا، ونُحوِّلُ الحروفَ إلى مصابيحَ تُضيءُ طرقَ الآخرين.
تذكّروا: أعظمُ كلمةٍ لن تبقى في الأوراق، بل في ذاكرةِ مَن سمعها، وأجملُ تأثيرٍ ليس في إقناعِ العقول، بل في لمسِ النفوس.
فلتكن كلماتُكم جسرًا، لا حاجزًا، ولتكن نهايتُكم دائمًا بدايةَ حكايةٍ جديدة.
المرفقات

واحة المرأة
يعنى بثقافة وإعلام المرأة والطفل وفق طرح عصري