هناك خوفٌ يَكمُن في خواطرنا لا نُخبر به أحدًا، ينام في صدورنا، يهمس لنا عندما نُغلق الأبواب، ويطلّ برأسه في لحظات الصمت، الخوف من الذات، من أن نكون نحن أنفسنا سبب ضياعنا، لأنَّ الذات أكثر الغرباء في هذا العالم قربًا لنا، وأكثرهم قدرة على إيلامنا، ليست المرآة التي تعكس ملامحنا ما يُظهِر حقيقتنا، بل تلك التي تسكن داخلنا، التي ترانا حين نغضّ الطرف عن حقيقتنا، وتهمس لنا بأصوات لا يسمعها سوانا، نخاف منها لأنها لا تترك لنا مجالًا للاختباء، فهي تعرف تمامًا ما نهرب منه، وتفكك الأقنعة التي نرتديها، حتى أمام أنفسنا، ذاتنا تُحمّلنا مسؤولية ما نحن عليه وما سنكونه، لا نلوم أحدًا، ولا نتذرع بظروف أو أشخاص حين نُقصِّر، هي صوت الضمير الذي لا يصمت، والظل الذي لا يغادر، والمرآة التي لا تنكسر مهما حاولنا أن نتجاهلها، ربما يكمن الخوف منها في قدرتها على أن تكون مرشدًا أو جلادًا، في أنها تحاسبنا بقسوة حين نضعف، وتضع أمامنا حقيقة لا نريد رؤيتها، إنها الجزء الذي يعرفنا تمامًا، دون زينة أو تزييف، في حضورها تسقط التبريرات، ويعلو الصوت الداخلي الذي يقول لنا: "أنت تعرف".

إنَّ خوفنا من الذات ليس ضعفًا، بل إدراكًا مريرًا لمدى العمق الذي يمكن أن نغرق فيه حين نواجه أنفسنا بلا مواربة، ففي مواجهة الذات لا مكان للهروب، ولا مهرب من الحقيقة، إنها معركة صامتة، يخوضها الإنسان مع أفكاره، وذكرياته، وخياراته، وأحلامه التي خذلها أو خذلته.

وأحيانًا تأخذنا ذاتُنا إلى الخوف من المجهول، من ذلك الغد الذي لا يجيب حين نسأله: "ماذا سيحدث؟"

أما الخوف الأكبر، فيبقى من عدم الالتزام بالدين، ومن الشعور بالذنب، والتقصير، والبعد عن الله، ومن سؤال: "هل الله راضٍ عنَّا؟"

وهل نسير على الطريق الصحيح بيدين فارغتين؟

هذه التساؤلات والمخاوف يمكن أن تبني جسرًا للعودة إلى الله، لا جدارًا يحول بين الإنسان وربه، لأن باب التوبة مفتوح، والله يحب من يعود إليه مهما كثرت ذنوبه، هذه المخاوف ليست دليل ضعف، بل ربما هي أكثر ما يجعلنا بشرًا، نحن لا نُهزم لأننا نخاف، وإنما نُهزم حين نتوقف عن المحاولة بسبب هذا الخوف.

ويمكن اللجوء إلى استخدام أمور حياتية تساعدنا في التغلب على مخاوفنا، منها العلاج المعرفي السلوكي، وبهذا النوع من العلاج يُمكن التعرف على الأفكار السلبية واستبدالها بأفكار إيجابية وواقعية، ويكون هذا بفهم الذات والتصالح معها.

ويمكننا أيضًا ممارسة تمارين الاسترخاء والتأمل، مثل تمارين التنفس العميق والاسترخاء العضلي، التي تُقلل من التوتر والقلق،

كما أن التأمل الذهني يساعد في التركيز على اللحظة الحالية وتخفيف التفكير المفرط في المستقبل أو الماضي، فعند التخلُّص من سلبيات الماضي يُزهِر المستقبل، ومن الممكن الاستعانة بالإرشاد الديني والتواصل مع علماء الدين أو المرشدين الروحيين، حيث يُوفّرون لنا دعمًا نفسيًا وروحيًا، ومع فهم تعاليم الدين بشكل صحيح، قد يُخفف من القلق المرتبط بعدم إتمام الدين أو الخوف من العقاب، وأخيرًا، قد نحتاج إلى طلب المساعدة المهنية إذا استمرت المخاوف وأثرت على حياتنا اليومية، فقد يكون من المفيد استشارة أخصائي نفسي أو طبيب نفسي لتقييم الحالة وتقديم العلاج المناسب.

وهذا ما يبتعد عنه المجتمع ابتعادًا تامًا، بسبب قلّة الوعي بالأمراض النفسية وكيفية أخذ العلاج والتخلّص منها.