حقيبته لم تكن ثقيلة، ليس فيها إلا قطع ملابس معدودة كان قد جمعها منذ ليلة أمس على أمل النزول بالإجازة هذا الصباح حتى تسرب الى مسامعه تغير الموعد .
حملها بصعوبة وألقى بها في احد جوانب غرفة الاستراحة وقصد آمر الفوج بخطوات تثاقلت شيئا فشيئا لعل سنواته الأربعين كانت تثقل لسانه عن الاعتراض فهو يعرف حجم المسؤولية ولكنها للمرة الثانية سيؤجل فيها عقد قرانه ، كيف سيخبرها توقف على مقربة ليسمع نقاش المتطوعين حول الآمر وفزع قلبه حين سمع احد الشباب يقول " نحن اصحاب عوائل فليبق الآخرين " وهو يشير إليه حتى نراهم ونرجع .
شعر بخنجر يمزق قلبه ، ربما خطأه انه خجل ان يخبرهم بموضوع زواجه لكنه ﻻ يحتمل ان يخذل فاطمة مرة اخرى ، ربما كان من الأفضل ان ﻻ يفكر بالزواج ، اي زواج ونحن في ظل هذه الظروف ؟ وهذا العمر ما ذنب هذه المسكينة ان ﻻ تعيش حياة طبيعية مثل غيرها ؟ وكيف ستكون حياتهما في قادم الأيام ؟ الضيق الذي يعتلج في صدره ليس لبثه سبيل .
تخيل أنها ألان قد حجزت بدلتها وصبغت شعرها ، سرح أكثر ليتخيلها ترزم ملابسها الجديدة وعلبة العطر التي أهداها في حقيبة العرس ، سرح ولم ينتبه إلا لكف تربت على ظهره وصوت الآمر يصبره ويعده بالخير فقد مضى على التحاقهم شهر كامل .
ها هو الموبايل يرن إمامه واسم فاطمة يتوسط الشاشة ، ظل ينظر إليه حتى ينتهي الاتصال ، تكرر الأمر حتى قرر غلق الموبايل نهائيا دون إجابة ، صعد الى ربوة قريبة وجال ببصره في السماء ، أراد ان يدعو لينزل إجازته في الوقت المحدد وإذا بنسيم بارد يلفه .
ثمة ما يربط على قلبه ، نظر الى سلاحه ، زيه العسكري ، ثم رفع رأسه الى جبال مكحول ، الى أمس القريب كان موظفا إداريا لم يخرج من بغداد إلا ما ندر ... تنفس بعمق ، شعر بالنعمة والتوفيق واستعاد توازنه النفسي .
هو لم يكن مضطرا للالتحاق لكنه قرر ان يكون حيث الملبين لنداء الفتوى ، نظر من بعيد الى معتمد المرجع وهو ينظف سلاحه وسط مجموعة من المقاتلين ، فأشاروا له بالتحية ورد عليهم ، تمتم مع نفسه ان الأربعين ليس أمرا سيئا ففي هذه السنة انتقل الى عالم اخر وصحبة أناس مختلفين ، ضحك حين تذكر كيف ان هذا الشيخ أقنعه بالزواج ببضع كلمات ثم مازحه قائلا " قلبك المنفطر ماذا كان ينتظر" ، ثم ظهور فاطمة في حياته بهذه السرعة ذلك القلب النابض بالألفة والحنان .
أين كان يا الهي؟! لعله توفيق الجهاد في سبيل الله ، تذكر عيناها الدامعتين يوم سفره ، أحس بالذنب ففتح قفل الموبايل ليتصل استشعر في قرارة نفسه أنها سترضى ولن تلومه فهو رجل شجاع لبى واجبه الشرعي وفعل ما بوسعه ، عبئ نفسه بالعزيمة واتصل ، فكان صوتها كنبع متدفق بالحنان سلبه قدرته على الاعتذار وعجز لسانه عن إخبارها وإذا بمنادي من بعيد يقطع اتصاله ، تجهز للنزول بعد ساعة فكل الأمور بخير .
لبنى مجيد حسين
واحة المرأة
يعنى بثقافة وإعلام المرأة والطفل وفق طرح عصري