" أنا إنسان والحياة من حقي , أشعر بكل شيء من حولي ويمكنني تفسير نظراتكم لي وغالبا ما أشعر بتهكمكم وسخريتكم من شكلي , لا دخل لي في كل ذلك ولا يمكنني تحسين وضعي بمفردي ؛ ربما بمساعدة من حولي وبالحب وبتقبلي كما أنا يمكنني تجاوز متلازمة داون ويمكنكم أيضا تجاوز متلازمة الأفكار السطحية والحكم عليّ بإبعادي من التواصل الاجتماعي والحَجْر عليّ داخل جسد كل ذنبه أنه لا يشبهكم " !
هذه رسالة طفل مصاب بمتلازمة " داون " الذي هو عبارة عن مرض جنيني يحدث في المراحل المبكرة من عمر الجنين بسبب تغير في عدد الكروموسومات حيث توجد نسخة إضافية من كروموسوم 21 أو جزء منه مما يسبب تغيرا في المورثات. فعدد الكروموسامات في خلية الشخص الطبيعي هي 46 كروموسوما أما الجنين المصاب بمتلازمة داون فتكون عدد كروموساماته 47 مما يؤدي إلى خلل في التطور العقلي والجسمي لدى المصاب .
غالبا ما نلاحظ عدم تقبل الأشخاص للأطفال الذين يعانون من هذا المرض الذي يطلق عليه " منغولية " وهي لفظة شائعة قديمة حيث سمي المرض بهذا الاسم لتشابه شكل الملامح الوجهية للمصابين بهذه المتلازمة للعرق المنغولي , أما تسمية متلازمة داون فجاءت نسبة إلى أسم الطبيب البريطاني جون لانغدون داون الذي كان أول من وصف هذه المتلازمة .
ومن المؤسف أن الكثير من هؤلاء الأطفال يعانون من سوء معاملة المجتمع لهم خصوصا إذا تعذر على الأهل تقبل وضع طفلهم أو إهمال صحته الجسدية والنفسية فالأطفال المصابين يحتاجون إلى اهتمام مضاعف فثمة مشاكل صحية كثيرة تقترن بهذه المتلازمة ومنها مشاكل في السمع والتخاطب وضعف البصر وإمراض القلب الخلقية ومشاكل الغدة الدرقية , كما أن الطفل المصاب يحتاج لوقت أطول عن الطفل الطبيعي للجلوس والزحف والمشي والكلام وتعلم مهارات الأكل والشرب ؛ ربما تكون أكثر من ضعف المدة التي يحتاجها الطفل الغير مصاب بالمتلازمة وبحسب حالة كل مصاب ومقدار العناية الطبية والنفسية المقدمة له .
من الجدير بالذكر أن هناك مشكلة في استيعاب الأهل وتقبلهم لطفل متأخر عقليا وجسديا وأن هذا الأمر ربما يكون طبيعي من جهة ولكن الغير طبيعي أن يستمر هذا الوضع لدرجة جعل الطفل ضحية إساءة تعامل الأهل معه مما يسبب تدهور في حالته الصحية وتتفاقم مسألة نبذ المجتمع له ؛ فنظرة المجتمع لهذه الحالة تكون انعكاس لنظرة الأهل للطفل المصاب وحجم اهتمامهم وعنايتهم به وبنظافته ومراعاة مشاعره في جميع التصرفات المباشرة والغير المباشرة .
لذلك من الضروري أن تتوفر مراكز تأهيلية لهؤلاء الأطفال وقبل ذلك لذويهم , فما يتسمون به من طيبة ومودة و ابتسامتهم التي دائما تكون مصدر إلهام وبراءة لابد من أن تُكفل لهم حياة طبيعية من خلال توجيه ذويهم لطرق التعامل معهم , ومتابعة الوضع الصحي الجسدي بالكشف الدوري على السمع والبصر وبإجراء فحوصات القلب والتنفس ومشاكل الغدد فبعض الحالات تحتاج لتدخل جراحي مبكر, وبالصحة النفسية التي تتلخص بالاهتمام بنظافته الشخصية , وبذل جهد في تمرينه على ممارسة حياة طبيعية , وتوجيهه بعناية دون إجحاف لحقه في الحياة مثله مثل بقية الأطفال , ووضع له قيمة ومكانة أمام الأقارب والجيران لأن ذلك يعزز تقبل الناس لوضعه بل ومعاملته بصورة طبيعية هادئة فضلا عن نصح بقية الأطفال بالتعامل معه بود ومحبة وبأن اختلاف الشكل ليس مبرر أبدا يسمح لهم بإبعاده عن اللعب أو أي نشاط يمكنه ممارسته . فتربية الطفل يجب أن تكون على مستوى عالٍ من المسؤولية سواء كان طبيعي أم يعاني من تأخر عقلي أو جسدي وأن دور الأهل في حمايته وتوفير له احتياجاته النفسية قبل المادية تكليف من الله سبحانه وتعالى . وأن أي تقصير في حقوق الأطفال عموما ينعكس على تأخر المجتمع وانحسار الثقافة وتفكك في المبادئ والقيم .

 

 

إيمان كاظم الحجيمي