بسم الله الرحمن الرحيم (( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف )) (البقرة ـ 228)
مما لا شكل فيه ، أنّ أي من الرّجل او المرأة حين يقدم على اختيار شريك حياته ، يستحوذ على تفكيرهما مسألة تحقيق السّعادة فيما بينهما والعيش بسلامٍ في أسرةٍ تملؤها معاني الودّ والرّحمة والسّكينة ، وكلّ تلك المعاني الجميلة لا تتحقّق بدون وجود توافقٍ بين الزّوجين بنسبةٍ عاليةٍ ، فالتّوافق التّام من الصّعب أن يحصل لاختلاف طبائع البشر ، فضلاً عن وجود اختلاف أكّده العلماء بين تركيبة عقل الرّجل والمرأة ، فالرّجل بطبعه يغلب جانب العقل عنده على جانب العاطفة ، بينما المرأة يغلب جانب العاطفة عندها على جانب العقل ، لذلك رأينا الشرع الحكيم يعطي الرجل الحقّ في الطّلاق إذا استفحل الأمر بينه و بين زوجته ، فالرجل بطبعه حين يقدم على اتخاذ قرارٍ مصيريٍ مثل قرار الطّلاق فإنّه يفكّر ألف مرةٍ في ذلك ، بينما المرأة قد تتعجّل و تتخذ القرار بدون التفكير في عواقبه و نتائجه .
وإن الاختلاف بين الرجل و المرأة بلا شكّ يثري الحياة الزّوجية ويضفي عليها معان جميلةٍ ، كما يكون كلّ طرف من أطراف الحياة الزوجيّة قادراً على أن يؤدي دوره المنوط به بكلّ اقتدار ، فالمرأة بما تتمتع به من حنانٍ و رحمة تكون أكثر قدرةٍ على منح تلك المعاني من الرجل ، وكذلك الرجل حين تتوفّر فيه صفات الرجولة فإنه يكون قادراً على أداء المهام الصّعبة في الأسرة مثل النفقة وتحصيل الرزق ، وإذا عرف كلّ طرف من أطراف الحياة الزوجية ما له من حقوق وما عليه من واجبات وأدّاها على أكمل وجه تحققت السعادة بين الزوجين في الأسرة .
كما أنّ من سبل تحقيق السعادة بين الزوجين ادراكهما بأن سبل حلّ المشكلات والخلافات لا تكون بالسبّ و التجريح والصراخ وغيرها من الوسائل ، وإنما تكون حين يدرك كلّ طرف أنه عرضة للخطأ ، وأنه لا يوجد إنسانٌ معصومٌ من الزّلل إلا من عصمهم الله ، وبالتّالي ، ومن منطلق هذا الإدراك يحرص كل طرف على تجاوز أخطاء شريكه ، والتحلي بأخلاق التسامح والغفران ، وفهم كلّ طرف للآخر فهماً عميقاً يستطيع من خلاله معرفة ما يحبّ و يكره ، وبالتّالي تجنّب أسباب الخلاف وتحقيق السعادة .
وقد حرص الاسلام على ايجاد التوافق الزوجي بين الزوجين وكخطوة استباقية شرع لعلاقتهما ضوابط وقواعد تكفل لهما نوع من التفاهم .
الحقوق والواجبات الزوجية ...
ما هي حقوق الزوج ؟ وما هي حقوق الزوجة ؟ وما هي مسؤوليات الزوج تجاه زوجته ؟ وما هي مسؤوليات الزوجة اتجاه زوجها ؟
لقد أوجب الإسلام على الزوج حقوقاً تجاه زوجته ، وكذا العكس ، ومن الحقوق الواجبة ما هو مشترك بين الزوجين :
أولاً : حقوق الزوجة ...
للزوجة على زوجها حقوق مالية وهي : المهر والنفقة والسكنى ، واخرى غير مالية كالعدل في القسم بين الزوجات والمعاشرة بالمعروف وعدم الإضرار بالزوجة .
1 . الحقوق الماليَّة :
أ . المهر : هو المال الذي تستحقه الزوجة على زوجها بالعقد عليها أو بالدخول بها ، وهو حق واجب للمرأة على الرجل ، قال تعالى : (( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً )) ( النساء ـ 3 ) ، وفي تشريع المهر إظهار لخطر هذا العقد ومكانته ، وإعزاز للمرأة وإكراما لها .
ب. النفقة : والحكمة في وجوب النفقة لها ، أن المرأة محبوسة على الزوج بمقتضى عقد الزواج ، ممنوعة من الخروج من بيت الزوجية إلا بإذن منه للاكتساب ، فكان عليه أن ينفق عليها ، وعليه كفايتها ، وكذا هي مقابل الاستمتاع وتمكين نفسها له .
والمقصود بالنفقة توفير ما تحتاج إليه الزوجة من طعام ومسكن ، فتجب لها هذه الأشياء وإن كانت غنية ، لقوله تعالى : (( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف )) ( البقرة ـ 233) ، وقال عز وجل : (( لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله )) ( الطلاق ـ 7) .
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، انه قال في خطبة حجة الوداع : " فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف".
جـ. السكنى : وهو من حقوق الزوجة ، ومفاده أن يهيئ لها زوجُها مسكناً على قدر سعته وقدرته ، قال الله تعالى : ((أسكنوهنَّ من حيث سكنتم مِن وُجدكم ))(الطلاق ـ 6)
- الحقوق غير الماليَّة :
أ. العدل بين الزوجات : من حق الزوجة على زوجها العدل بالتسوية بينها وبين غيرها من زوجاته ، إن كان له زوجات ، في المبيت والنفقة والكسوة .
ب. حسن العشرة : ويجب على الزوج تحسين خلقه مع زوجته والرفق بها ، وتقديم ما يمكن تقديمه إليها مما يؤلف قلبها ، لقوله تعالى : (( وعاشروهن بالمعروف ))(النساء ـ 19) .
ثانياً : حقوق الزوج ...
وحقوق الزوج على الزوجة من أعظم الحقوق ، بل إن حقه عليها أعظم من حقها عليه لقول الله تعالى : (( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة )) (البقرة ـ 228) .
أخبر الله تعالى في هذه الآية أن لكل واحد من الزوجين على صاحبه حقا ، وأن الزوج مختص بحق له عليها ليس لها عليه ، ومن هذه الحقوق :
أ . وجوب الطاعة : جعل الله الرجل قوَّاماً على المرأة بالأمر والتوجيه والرعاية ، كما يقوم الولاة على الرعية ، بما خصه الله به الرجل من خصائص جسمية وعقلية ، وبما أوجب عليه من واجبات مالية ، قال تعالى : (( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم )) (النساء ـ 34) .
ب. تمكين الزوج من الاستمتاع
جـ. عدم الإذن لمن يكره الزوج دخوله : ومن حق الزوج على زوجته ألا تدخل بيته أحدا يكرهه .
رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال : " لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه ، ......" .
د. عدم الخروج من البيت إلا بإذن الزوج : من حق الزوج على زوجته ألا تخرج من البيت إلا بإذنه .
وبعد تعرفنا على جانب من التوافق الزوجي وما يوثق رابطة الزواج الوثيقة التي عبر عنها القران بانها ميثاق غليظ (( وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً )) ( النساء ـ 21 ) .
د . مواهب الخطيب
واحة المرأة
يعنى بثقافة وإعلام المرأة والطفل وفق طرح عصري