يُقال إن اللاوعي قد يجرف مشاعرنا تجاه شيءٍ نظنّه الآن مجهولًا، لكنه ارتبط بحادثةٍ أو مشهدٍ أو حتى فكرةٍ اعتنقناها منذ الطفولة، فرَسَت في أعماقنا، وهي تقفز متى ما شاهدنا منظرًا، أو سمعنا كلمة، أو رأينا صورة، أو ملامحَ وغيرها.

لعلّ لاوعيي اقترنَتْ عنده اليد الحانية بكمية التعب والشحوب، وحتى الندوب التي تحملها، أشعر بأنها توصل إليّ رسالة الدفء، وأرى فيها شعور الأبوة ومدى شعوره بالمسؤولية ليجلب لأبنائه لقمة الحلال.

وأرى أن هذه اليد، لو قبّلها الأبناء يوميًا، لم يوفّوها حقها، هذا الشعور يراودني كلما رأيت الرجل الكبير الذي يعمل بالقرب من حرم الإمام الحسين (عليه السلام)، يحمل أثقالًا ويجرّها لمسافات بعيدة.

فضلًا عن الآباء الذين يعملون في مهنٍ ينظر لها المجتمع دون المستوى المعهود، ففكرة تحمّله لهذه النظرة، مع تحمّله لصعوبة المهنة، مع تعاقب البرد والحر، تستحضر ذهني حديث: "الكادُّ على عياله كالمجاهد في سبيل الله تعالى".

هذا الكدّ المرتبط باهتمام الآباء بتوفير الأمان لعيالهم، يستحق الإشادة والشعور الدائم بالامتنان، فما وراء تلك الندوب قصصٌ وحكايا يخفيها الرجل، ويستبدلها بشعور الرضا ما إن يعود إلى عشّه، ينظر إلى أبنائه مستحضرًا طفولتهم وعباراته التي كلما مرّ بوعكة يرددها: "هم يجي يوم وأشوفهم كبار"، وما إن يراهم هكذا أمامه، يبدأ بتجديد الحلم مع رؤية أحفاده.

لا أعلم، ألأني كاتبة يعتريني فضول قراءة ما تردده الأذهان ويخفيه اللسان وراء رقرقة الدموع ولحظات الشرود، أم إنها صفة لصيقة بالنساء؟

فكرة الأب هي فكرة مقدّسة جدًّا، مرادفة لدارٍ ومأوى وأمان، ولعلّ البنت هي الأكثر حاجة لها، فمن الضروري أن يُحفَظ ماء وجه هذه الكلمة، وتُعطى حقها، ويُفهم معناها قبل أن يرتديها الرجل.