ينتظر الطفل مهند حسن (خمس سنوات) شهر محرم ليرتدي ثوبه الاسود الذي يعتز به ويعده من السلوكيات المفرحة حسب تعبيره الغض، ليكون ضمن قوافل أطفال محلته في نصب سرداق صغير، وارتداء السواد وشراء العصائر والكيك بعدما اجمعوا يومياتهم لتوزيع ثواب سيد الشهداء (عليه السلام)، ويستمر هذا الموكب الصغير عشرة ايام ليحييوا بعدها ليلة العاشر بطقوس غاية بالجمال والفعاليات البسيطة المعبرة عن الحزن والعزاء.
هذه المشاعر الجياشة يحملها الصغار في مختلف المدن والمحلات بشكل يفوق التصور، وسرادق الصغار التي رتبت بطريقة عادية وببساطة شديدة أعدها سلوك يثير في نفوسهم الفخر والاعتزاز والفهم لقضية أبا عبد الله (عليهم السلام) وتقليدا لدور الكبار في أيام عاشوراء التي باتت ذات أهمية كبيرة لتجديد العزاء وجزء من ثقافة محرم وثقافة الاسرة والمجتمع.
أثر وأهمية
تقول (لبيبة محمد 50 عاما) منذ الصغر كنا نشاهد آباءنا وأمهاتنا يستعدون لمناسبة عاشوراء في العديد من الأمور كشراء القماش الاسود وتنظيف البيت لإقامة مجالس العزاء ورفع الرايات فوق سطوح المنازل واقتناء ما يهيأ لطبخ الطعام وتوزيعه، كل ذلك رسخ في نفوسنا وعقولنا ماللمناسبة من اثر واهمية، وكنا نسأل عن مقتل الحسين (عليه السلام) ونسمعه من خلال أجدادنا وابائنا او من خلال المنابر الحسينية ليعمق فينا احساس الظلم الذي عاناه أهل البيت، واضافت بأننا اليوم نسقي كل ذلك لاطفالنا كي يستمروا في استيعاب القضية وتجديد مهامها وتعزيز حيثياتها كل عام بفخر.
امتداد للكبار
ويعلق مصطفى حسنين على موضوعة الاطفال الحسينيون بالقول: "لطالما كانوا الأولاد الصغار يفرحون بمقدم شهري حرم وصفر لأن فيه حسب وصفهم المزيد من الفعاليات والعادات المحببة اليهم ، فهم يفهمون القضية الحسينية بشكل عام ويؤكدون على مظلومية سيد الشهداء وأهل بيته (عليهم السلام) ونحن كآباء بدورنا نقدر وضعهم وحبهم لإحياء الشعائر الحسينية على قدر اعمارهم، لانهم امتداد لنا ويجب أن يدركوا الدور الكبير لاحياء هذه الشعائر، فنوفر لهم الامكانيات لاقامة مواكبهم الصغيرة، والعمل معهم لتهيأت مستلزمات اقامة العزاء، ليجدوا اننا متفهمين لكل مايخص هذان الشهران بشكل يجعلهم يؤدوا الشعيرة على مستوى من السلوك الجيد والتعبير عن الموضوع بصورة متكاملة".
قيم اخلاقية
الشيخ مهدي السعدي يوجه حديثه للأهل بالقول: "هكذا عواطف ومشاعر عميقة يحملها الأطفال من الضروري تنميتها وتوجيهها بالشكل الصحيح والذي يخدم القضية الحسينية، وعلى الاهل أن يكونوا مثالا يحتذى به في حب اهل البيت وترسيخ مبادئ عاشوراء في أفكارهم وسلوكهم، لتكريس الفعل الواعي والمسؤول لمختلف أشكال الشعائر الحسينية، في الوقت الحاضر، وفي قادم الأيام عندما يتحول هذا الطفل إلى رجل كبير ناضج بفكره الحسيني، مثال ذلك؛ حالة العطاء من خلال تقديم الطعام والشراب في مرحلة الصغر، ثم تحول هذا الفعل إلى منهج ثابت في الحياة في الكبر بالعطاء في مناسبات ومجالات مختلفة، وهكذا تفعيل القيم الاخلاقية والسلوك الجاد.
فالمنبر الحسيني، والرادود، والأديب، والرسام، والمصمم للوحات عاشوراء، بل وحتى المشرفون على مواكب التشابيه، كل هؤلاء وغيرهم ممن يسهمون في احياء مشاهد عاشوراء باشكال مختلفة، لهم الدور البارز في ضخ المعرفة في نفوس الاطفال بشرط أن تكون موثقة ومتطابقة مع أصل المشهد التاريخي وأبطاله، ومنسجمة تمام الانسجام مع سلوكهم وتفكيرهم في الحياة، لذا كان للأهل دور ريادي ومعزز لانارة أفكار الصغار بشكل يليق بالموضوع وبكل ما يخدم أحباب الحسين (عليه السلام).
وفاء حسيني
ويؤكد أصحاب المواكب والسرادق في كل مكان أهمية مشاركة الأطفال في مواكب العزاء وتفعيل الدور الكبير لفعاليتهم التي تبدو كبيرة في مضامينها وترتيباتها، ونحن بدورنا نشاركهم أيضا وندعوهم في المشاركة في مواكب الزنجيل التي تقام في اجواء مليئة بالحزن، فنراهم يتفاعلون معنا وقد يصابون بالتعب والاعياء، إلا أنهم مصرين على تكملة العزاء والمسيرة الحسينية بشكل يليق بهم، ويدعوننا في أحيان كثيرة إلى المشاركة أيضا في توزيع الطعام أو اعداده، وكل مايخص الخدمة الكبيرة للمعزين والوافدين.
هذا هو الوفاء الحسيني والقيم التي يحملها أطفالنا يكبرون على حب آل البيت ويحييون الشعائر بثقافة وفخر.
المرفقات

واحة المرأة
يعنى بثقافة وإعلام المرأة والطفل وفق طرح عصري