يَعتلي المنصَّةَ ، تنظرُ إليه بدموعٍ منسكبةٍ تزيِّنُ بقطراتِها ندوبَ وجنتِها
يصفّقُ له الجميعُ ،ينظرُ إليها.. ،تصفّقُ له بحرارةٍ وهي تمسحُ دموعَ فرحتِها، يبدأُ بكلماتِهِ الشاكرةِ للهِ ثم لوالدتِهِ التي تحمَّلتْ ماتحملتْ من عناءٍ وشقاء
تعودُ إلى تلكَ الذكرى
ــ أيَّتُها المجنونةُ كيف تجرُئين على أن تقولي لي : أمهلنِي دقيقة ...؟
وتنهالُ عليها الضربات ــ وهي في شهرها التاسع ــ ثم يرميها من أعلى السلم حتى تسقط مغمىً عليها... ،
يفيقها بماءٍ باردٍ في ذلكَ الجوِّ القارس...
وتتذكّرُ كيفَ كانَ يُقفِلُ عليها جميعَ أبوابِ المنزل...، ويعامِلها كعبدةٍ عندَه...
كان يعودُ بعدَ كلِّ فشلٍ له في العملِ لينهالَ عليها بسيلٍ من الشتائمِ وينعتُها بالشؤمِ ثم يُبرِحُها مع طفلِها ضرباً وتعذيبا
وبعدَ أنْ ينتهي من ركلِها تقومُ لتحضرَ غداءَه بجراحِها النازفِة خوفاً من أن تتأخَّرَ عليه بالطعام
كانتْ تعملُ في الخياطةِ وتتعاونُ مع أختِهِ في ذلك ليجني هو ثمرةَ تعبِها.
بعدَ تحمُّلها له خمسَ سنواتٍ من العذابِ والضربِ والشكِّ والاتهامِ تنازلتْ عن كلِّ شيءٍ وأخذتْ ابنَها فقط معلنةً الإنفصال
بدأتْ رحلةَ عملِها في خياطةِ العباءة النسائية لتصرفَ على طفلِها ثم رأتْ نبوغَه وحبَّه للعلمِ ... لم تدعْه يعملُ يوماً وأدخلته المدارسَ النموذجية .. ولمْ تَعدِ الخياطةُ تكفي مصاريفَها فراحتْ تَدرسُ في الكليةِ عسى أن تحصلَ على تعيينٍ يعيلُها مع ابنِها
أخوها الوحيدُ بين الحينِ والآخر يساعدُها في مبلغٍ بسيطٍ حسبَ مقدرتِهِ
استطاعتْ أنْ تُوفِّقَ بين العملِ والدراسةِ والاهتمامِ بشؤونِ طفلِها وأرادتْ منه أنْ يكونَ طبيباً فاختارَ قسمَ الجراحةِ التجميلةِ ليرفعَ تلكَ الندوبَ عن وجهِ أمِّهِ وجسمِها
ارتفعَ التصفيقُ واستدعى عليٌّ أمَّه إلى المنصةِ ووقفَ بكلِّ فخرٍ يُهدي لها نجاحَه
وهكذا كانتْ أم علي أنموذجاً للكفاحِ تسحتقُ عليه أعلى الدرجاتِ ألا وهي الامتياز
ضمياء العوادي
واحة المرأة
يعنى بثقافة وإعلام المرأة والطفل وفق طرح عصري