ندمت لأني لم اعرفها من قبل ، وشكرت الله ان وفقني لذلك قبل انتهاء عمري , لأنها اثبتت لي يقينا ان المرأة الصالحة لا حدود تقف دون تكاملها !!! لا المكان ولا الزمان ، ولا الزوج ولا المجتمع ولا الحسب ولا النسب ولا النوع .
وكان لتتبعي بعض من سيرتها ، جوابا شافيا لعلل وعقبات قد نبرر بها تقاعسنا عن السعي لعلو الدرجات .
دعوني اعرفكم على تلك السيدة المباركة اسماء بنت عميس معرفة لا تتجاوز فتح نافذة ليدخل منها عبير الأيمان ، فان لمعرفة تلك القامات المخلصة لله منزلة لا ادعيها ولا توجز بعدة سطور .
روى المؤرخون ، انها امنت برسول الله في الفترة الاولى للاسلام حيث الدعوة سرية وقبل ان يجتمع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأصحابه في دار الارقم ، اي يوم كان عدد المسلمين لا يتجاوز الثلاثين ونيف , ثم لما ضُّيق الخناق على المسلمين في مكة هاجرت مع زوجها جعفر بن ابي طالب عليهما السلام الى الحبشة وهي بعد عروس ، لتواجه الغربة في الله بعد ان واجهت الخوف والشدة من مشركي مكة ، وهناك انجبت له عبد الله وجعفر وعون عليهم السلام .
وفي السنة السابعة للهجرة انتهت تلك الغربة بهجرة اخرى لله نحو المدينة المنورة فوصفهم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بـ " اصحاب الهجرتين " وفرح بمقدمهم حتى قال : " لا ادري بأيهم اشد فرحا بفتح خيبر ام بقدوم جعفر " ، حيث صادف فتح حصون خيبر .
مضت الأيام سريعا لتهيئ اسماء عليها السلام لامتحان جديد ، انها معركة مؤته ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدخل عليها ويحتضن اولادها .
ما الخبر؟
ادركت اسماء السر في ذلك !
لقد استشهد جعفر عليه السلام ، وابدله الله بجناحين يطير بهما في الجنة ، اما هنا على الارض فقد اشتد الفقد بأسماء عليها السلام ، فما كان من رسول الله صلى الله عليه وآله ، الا ان يوصي بها ابنته سيدة النساء فاطمة الزهراء عليه السلام وان تعمل لهم الطعام فأنهم مشغولون عن انفسهم و" لمثل جعفر فليبك الباكون ".
سيدتي الزهراء ... ان واسيتها بجعفر فقد واست هي ، امك خديجة الكبرى حين حضرتها الوفاة ، ورأت منها رقة الام على طفلتها يوم تكبر وتحتاج الى ام حنون، حينها وعدتها ان تحضر عرسك وتقوم مقامها ، لكن اسماء لم تكن تعلم ان لها مواقف اخرى اعظم خطرا تنتظرها معك يا جوهرة الوجود .
ها هي تحضرك في ولادة الحسين عليه السلام ، وتحمله بكفيها حين طلبه منها رسول الله صلوات الله عليهم ، ليؤذن في اذنه اليمنى ويقيم في اليسرى ، ويبكي بعد ذلك ، ، وهي ـ اسماء ـ تنظر اليه ، وقلبها يعج بالألم " فداك ابي وامي يا رسول الله " ، " أي أسماء ، ان ولدي الحسين هذا يقتل ، ولا تذكري شيئا من ذلك امام فاطمة فأنها حديثة عهد بالولادة " .
وحج رسول الله صلى الله عليه وآله حجة الوداع ، وتزوجت اسماء بأبو بكر فحضرت معه الموسم وولدت في ميقات الاحرام .
( ماذا افعل يا رسول الله ؟ ) .
قومي والبسي ثوبا جديدا واحرمي يا اسماء ولا يفوتنك حج هذا الموسم وخير الغدير الذي فيه " .
فحملت وليدها محمدا طائعة لا تفارق حجة الله في ارضه ولا تبحث عن رخصة او تتردد في حضور ، ومضى المصطفى الحبيب لربه ، وانقلبت الامور واشتد الخطب على الزهراء عليها السلام ومرضت مرض الموت .
" اين انت يا اسماء ، فسيدتنا تريد ان تسرك بأمر، يعز عليها ان تحمل على حامل فيبرز جسدها امام الناس لا يغطيها الا ثوب "
قفزت اسماء تريها صنع اهل الحبشة لنعش موتاهم فتقلب السرير وتبطنه بجريد النخل فابتسمت الزهراء لأول مرة بعد وفاة والدها ، وامرتها بصنعه ودعت لها بالستر كما سترتها واوصت ان لا يدخل عليها احد من النساء الا بناتها وانت وجاريتها .
نعم يا أسماء . اديت الوصية ، ولم تأخذك لومة لائم ، واي قيمة للوم وانت تعينين امير المؤمنين وتحملين له ما يغسل به سيدة العالمين، فأي امر اعظم من هذا الامر ؟
ومات ابو بكر ، ومرت الايام تعصف بأل محمد صلوات الله عليهم اجمعين ، ولكن الله عز وجل اراد لأسماء ان تكمل الطريق فجمعها بأمير المؤمنين عليه السلام ، زوجة تربي ـ تحت رعايته ـ ايتام جعفر ومحمدا ابن ابي بكر ، وتولد له يحيى ، وأثمر الله لها في محمدا ثمرة ايمان وثبات ، حتى صار قائدا يحمل لواء امير المؤمنين عليا عليه السلام فيذكره الامام الصادق قائلا " ورث النجابة من امه " بل ويترحم عليهما ، إذ روي عن ابي جعفر عليهما السلام قوله : " رحم الله الاخوات من اهل الجنة اسماء بنت عميس الخثعمية وكانت تحت جعفر بن ابي طالب وسلمى بنت عميس الخثعمية وكانت تحت حمزة و....... " .
" نعم سيدتي اسماء ، فبعد كل ما عرفه عنك الأخرون ، فقد عرفت انا " انك امرأة مؤمنة ثابتة مجاهدة لم ترض الا ان تكون حيث الرضا عند ال محمد صلوات الله عليهم اجمعين ، حاضرة لأفراحهم واحزانهم، مأمونة على احوالهم ، مشهود لك بالجنة ، فسلام على روحك الطاهرة الصابرة الشاكرة " .
لبنى مجيد حسين
واحة المرأة
يعنى بثقافة وإعلام المرأة والطفل وفق طرح عصري