لم أكُ أتوقع غربة العقول أنها تكون في بعض الأحيان مؤذية جدا بل مرعبة في كثير منها، فعندما كانت تَقصُّ عليَّ صديقتي غربتها في الجامعة وأنها تراهم بعيدين كل البعد عنها لدرجة أنها لم تكوٌن منظومة صداقات تحت عبارة (لن يفهمني أحد)، وغالبا كانت تود لو لديها من يفهمها حتى تستطيع التواصل معه، فهي ترى كل حديثهن خالٍ من المعنى، والنتيجة كانت تعتزل أي حوار أو حديث جانبي، حتى تبدو هذا الكائن شديد الغموض والصمت!

كنت أتوقع غالبا بأنها تبالغ في ذلك وهي انتقائية جدا في تكوين علاقات مع الآخرين لذلك لا تحب تكوين علاقة مع شخصيات جديدة، ولكن اليوم أيقنت لعله متأخرة بأني كنتُ محاطة بمجموعة من العقول التي أستطيع إقامة حوار معها أو أفضض لها فتفهمني دون الحاجة للشرح أكثر من مرة أو اساءة الفهم أو حتى رميي بسوء الظن، أو أخذ كلامي على محمل آخر مع تعاقب الأيام ساقتني الحياة لأن أكون بين مزيج من الثقافات المختلفة، هذا التنوع الذي يبدو للوهلة الأولى بأنه جيد لاستكشاف أنماط من الثقافات والسلوكيات وطرق مختلفة في التعامل مع الحياة إلا أنه في الواقع صعب ويحتاج إلى مجموعة من الصفات مع درجات منها عالية منها الصبر، وتعلم فن الصمت أحياناً وكثيرا من الحكمة في الرد، فضلا عن المحاولة بأكثر من طريقة لمعرفة كيف تصل إلى فهم الآخر وما هي مفاتيحه، من الطبيعي أن يبتعد الإنسان عن إقحام نفسه عن هذه العلاقات لكن من الجيد أن يخوض معها نزالا مع ذاته، والأكثر إيلاما أن يكون مفروضا عليه التفاعل معهم وهو مجبر على العيش وسط عائلة أو أصدقاء وغيرهم مختلفين عنه عقلا خاصة إذا كان هذا العقل مزود بوقود الدين والمعرفة فأنه يواجه صعوبات أكثر بالتعامل وبالتالي صاحب الرسالة لا يستوحش عقله مع كثرة الجهل.