هو الحنين في هذا الوقت بالذات، المدارس والدوام المدرسي الجميل زمان حينما كنا نتوق لها ونتلهف للجلوس على مقاعدها رغم قدمها إلا أنها تعد جميلة في نظرنا وذات بريق لا ينسى.

الذكريات وحدها عالم واسع من القصص المثيرة للتفكير، حلوها ومرها، نستمد منها القدرة على الحياة واعبائها وكل ما يمكن ان يدخل في حافظة الاشتياق.

ومن هذا الباب الزاخر بالذكريات توهجت فينا استذكار الصف المدرسي سابقاً وما يحتويه من أدوات تجلب نظرنا بقوة اليها، وتدعونا إلى أشد الالتزام والانضباط، كل ما فيه ينطق بالجدية والخشية من المعلمة، الانسانة الصارمة في تدريس المادة وحريصة على ايصالها لنا بشكل هادئ وجميل والحنونة التي تجعل من يومنا ملئ بالإبداع والفرص، كانت حاضنة لبكائنا حينما يصعب علينا حفظ المادة وتتشاكس معنا بهدوء كي نكون تلميذات بمستوى يليق بالدرس وتدعونا إلى النظافة وحسن الخلق والترتيب والاهتمام بكل ما يخص حياتنا وعامنا الدراسي، هي نبيلة حد الانبهار، ومانحة للنجاح والتفوق لما تبذله من جهود كبيرة لتعليمنا، فلا دروس خصوصية ولانجاح دونما اجتهاد وحفظ، نراها كل صباح بأناقتها المحتشمة وروعة حديثها عن النجاح وغيره ما يخص المستقبل والطموح، والحديث عنها يطول ويطول لأنها تستحق الذكر والاشادة.


حكايات لا تنسى

هكذا هي الدراسة زمان من أجمل ما يكون، نحرص على الدوام والالتزام بكل ما يخصها، ابتداءً من الزي المدرسي الجميل بألوانه الهادئة الابيض والنيلي أو الرصاصي، والشرائط البيضاء، والحقيبة البسيطة، وزميلات الدراسة اللطيفات، أما الصف المدرسي فإحساسنا به يفوق الخيال، ابتداء من الرحلة الخشبية القديمة ذات المسامير البارزة التي في كل مرة تترك في صدريتي، وهي بحد ذاتها تكتنز الكثير من الذكريات والحكايات، والسبورة الخضراء العريضة والطباشير الأبيض الذي يلوث بردائه الابيض المتطاير ملابس المعلمة وزينا المدرسي، حتى أخشى توبيخ أمي لي كل يوم، وتلك الباب الحديدي الذي نطرقه للاستئذان، وجرس المدرسة اليدوي الحديدي القديم والثقيل، نرتبط به بقوة لأنه يدعونا إلى الفرصة واللعب والمرح والأكل وربما المشاكسة، وبالعكس أيضا له دعوة معاكسة للانتظام والذهاب إلى الصفوف لبدء الدرس، عالم من المحبة والجد والقلق والاشتياق لتلك المرحلة العمرية من حياتنا.


خصوصية الخميس

أما يوم الخميس فهو يوم مميز وله حسابات خاصة، رفعة العلم وما أجملها من فعالية، يستعرض فيها كشافة الصف بأبهى صورة، تتخللها كلمة المديرة ومعلمة الرياضة والقاء القصائد وغيرها، أنه يوم مميز بالفعل وله خصوصية نفرح لأنه سيليه يوم الجمعة العطلة الوحيدة في الأسبوع، التي ننعم بنوم هادئ صباحا دون أن يوقضنا أحد.


حضن الذكريات

هكذا الحنين في حياتي لي معه حكايات لا تغيب عن فكري، ولا تبرح في الانتهاء، حتى أني أحسها منذ القدم تراوح معي أينما حللت ومهما تمر الأعوام بي، فالحنين والذكريات ملازمة للعمر ولا تعرف إلا العطاء وبدون مقابل، الحنين لا يخذل لحظة الاشتياق إليه ويمنحك ذروة السعادة والحزن أيضاً ويبعث فيك روح الإبداع، إنه أعظم حاضن للذكريات وأسرارها، كان دوما أنبل شعور لأجمل الذكريات وأعذبها في الحياة، يتجسد بمنحنا فرصة التواصل مع النفس والتواصل مع الآخرين ضمن رؤية صحيحة للحياة من كل زواياها، يعلمنا الصفاء والنقاء والتسامح وما هو جميل أم غير جميل، الحنين يفتح أسرارنا العميقة التي غابت عنا لذلك حينما نفكر به نشعر بأننا عدنـا إلى شيء رائع فينـا ابتعدنا عنه كثيراً وأنه كلما أتى يمنحنا فرصة العودة والاستقرار فينا والبحث عن السعادة انطلاقا من أعماقنا، حينما يدنو منا يبدو جميلا ووديعاً حتى يروق لنا بغير صورته، ويبقى كلما نتذكره يؤجج فينا التمني في العودة اليه والى وهجه وبساطته العذبة، الى ذلك الماضي الجميل لا يمكن وصفه كاملا وروعته بالكلام فقط، وإنما ما يسطره القلم من خلال الكتابة، ومع ذلك فليس دائماً التذكر والتأثر يمكن أن تعبر عنها بالكتابة وإنما أحياناً تستفزنا أشياء كثيرة تشجعنا على الكتابة نلجأ إليها كنوع من التعبير لرؤية الحدث واسترجاع مكانته ومكانة من عاش أحداثه وهذا ما حصل.