في عالمنا المعاصر، أصبح تزييف الوعي وصناعة الوهم أدوات قوية تستخدم في تشكيل وعي الأفراد والتحكم في تصوراتهم للواقع، تزييف الوعي هو العملية التي يتم من خلالها توجيه الأفكار والمفاهيم في عقول الأفراد بحيث يتبنون تصورات زائفة أو مشوهة عن الواقع. بينما تشير صناعة الوهم إلى خلق صور ذهنية أو معتقدات غير حقيقية تؤدي إلى تصديق الإنسان لحقائق أو أحداث لم تحدث كما يظن ليقع فريسة عالم وهمي يخلقه لنفسه لاينسجم مع نفسه ولا مع الآخرين، تلعب تكنولوجيا الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في تزييف الوعي وصناعة الوهم، حيث يسهل التلاعب بالمعلومات ونشر الأخبار الزائفة للتحكم في آراء الأفراد وصرفهم عن القضايا الأساسية. هذا التأثير يظهر بشكل خاص لدى الأجيال الجديدة، التي تتشكل لديها تصورات خاطئة عن الواقع تؤثر في تفكيرها وسلوكها، تزييف الوعي يعتمد على تقديم معلومات مضللة، بينما تقوم صناعة الوهم على خلق تصورات غير واقعية تقود إلى مواقف غير عقلانية، مع الاستخدام غير المدروس لوسائل التواصل الاجتماعي، يواجه الجيل الحالي تشتتًا في القيم وتهديدًا للهوية الثقافية والدينية بسبب تضارب الثقافات.

ويُعد انخفاض معدلات القراءة والاهتمام بالتراث جعل الجيل الجديد يعتمد على معلومات سطحية، مما يعمق انفصاله عن جذوره الثقافية ويزيد من تأثره بالمظاهر الخارجية بدلًا من المحتوى العلمي والثقافي الحقيقي.

 

تأثير تزييف الوعي على سلوك الإنسان السوي

الإنسان السوي يسعى بطبيعته إلى التوازن بين الأصالة والتجديد، فهو يبحث عن الحقيقة، يستكشف العالم بحذر ويميز بين ما هو مفيد وما هو ضار. ومع ذلك، عندما يكون محاطًا بوهم وسائل الإعلام والمعلومات المزيفة، يصبح من الصعب عليه الاحتفاظ بهذا التوازن، التزييف المستمر للوعي يعزز من حالة من الانفصال عن الذات والمجتمع، مما يؤدي إلى تقلبات في سلوك الفرد، سواء كان ذلك على مستوى العلاقات الاجتماعية أو القرارات الشخصية، ومن هنا، تظهر الحاجة الماسة لاستعادة الثقة في التراث الثقافي والديني الوطني، والعودة إلى أساسيات التعليم والبحث العلمي، فالثقافات التي تروج لها وسائل الإعلام ليست جميعها ضارة، ولكن الانتقائية والوعي في الاستفادة منها هو ما يضمن أن يكون للفرد مسار واضح ومفيد في حياته. كما من ضروريات هذه المرحلة العودة إلى الجذور في خضم هذا الضياع الثقافي والمعرفي، يصبح من الضروري العمل على تعزيز الهوية الفردية والجماعية للأجيال الصاعدة. العودة إلى القراءة والمطالعة، واستكشاف التراث الثقافي والديني والوطني بعمق، هو السبيل الأمثل لمواجهة موجة التزييف التي تجتاح العقول، ففهم الإنسان لتاريخه وهويته يسهم في بناء قاعدة صلبة تمنحه القدرة على مواجهة تيارات التغيير دون أن يفقد بوصلته، ثم اتباع أثر القدوة والعظماء والسير خلف أثرهم يساهم في تعزيز وترسيخ سلوكيات الفرد وعدم انجراره خلف معطيات السراب والوهم.

باختصار، تزييف الوعي وصناعة الوهم يشكلان خطرًا حقيقيًا على الإنسان السوي، إلا أن وعي الفرد بمسؤولياته الثقافية والفكرية يمكن أن يكون سلاحًا فعالًا ضد هذا التزييف، العودة إلى الواقع لا تعني الانغلاق على الذات، بل تعني بناء أساس متين من المعرفة الذاتية والهوية الثقافية، ثم الانفتاح على العالم من هذا المنطلق.