تُعدّ الأم المحرّك الرئيسي للعائلة، والتي بدورها تُكوّن مجتمعاً كاملاً، وهي مصدر الدفء والأمان في المنزل، ويُشكّل غيابها فراغاً كبيراً ونقصاً لا يجبر.

ولكن مع زيادة متطلّبات الحياة العائليّة، ورغبة في مساندة زوجها وفي تطوير مستوى المعيشة، أو تحقيقاً لذاتها، ازداد عدد الأمّهات العاملات وبشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، وأصبح عمل المرأة أمراً ضروريّاً في ظلّ حالة النموّ والتقدّم التي يشهدها المجتمع، حيث أنّ المرأة نصف المجتمع من حيث تكوينه، وكلّ المجتمع من حيث التأثير في نشأته.

وأثبتت الإحصاءات أنّ تعليم المرأة وتمكّنها من العمل ترك آثاراً إيجابيّة على العائلة والمجتمع، سواء في الأمور الصحيّة والاجتماعية والاقتصادية، وكما بيّنت الدراسات أنّ الحياة المهنيّة الناجحة تُضفي على الأمّ شعوراً بالرضا والإنجاز والقدرة على التحدّي ومواجهة الصعوبات وتحقيق ذاتها.

لكن بسبب تعدّد الطلبات الموجّهة للأم العاملة فهي من جهة يُرادُ منها أن تكون أمّاً صالحة، ومن جهة أنثى جذّابة ورقيقة، وأخرى سيدة ناجحة في عملها، ممّا يُعرّضها لإرهاقٍ وضغوط نفسيّة شديدة، إضافة للضغوط الجسديّة التي تُثقل كاهلها وتجعلها تشيخ قبل أوانها.

فتضلّ الأمّ في سعيٍ مستمرٍّ لتصبح أفضل نسخة منها، وفي ظلّ هذا السعي هنالك شعور بالذنب لعدم تواجدها بشكل دائم في المنزل، وبالقرب من أطفالها، وعدم مشاركتها لهم بعض ساعاتهم المهمّة، إضافة لتأنيب المجتمع لها بأنّها مقصّرة دوماً، ويُشيرون بنظرة العطف اتّجاه أطفالها، على أنّهم ضحيّة الأمّ المهملة، حيث ساد الاعتقاد بأنّ دور الأمّ يكمن في بيتها لا غير، وأنّ ضياع الأطفال مرتبط بخروجها من المنزل.

لذا تعيش الأمّهات صراعاً بين الموازنة في عملها وبين رعاية بيتها وأطفالها، وصراعاً خاصّاً مع ذاتها التي لا تنفك تجلدها يوميّاً، وهي تُحاول إيجاد طرق سحريّة كي تنجح في كلّ جوانب حياتها، فتريد أن تكون أمّاً وزوجة وطبّاخة ومُدرّسة وربّة منزل ناجحة، إضافة الى موظفة كفوءة في عملها، وأن لا تُقصّر في زيارة ورعاية الأهل ومداراة الأصدقاء، وإعداد الأنشطة والألعاب لأطفالها، وأن تبدو مهندمة ومتأنّقة في آن واحد! وهذا ما يُعدّ شبه مستحيل، فالتقصير في بعض هذه الأدوار أمرٌ حتميٌّ.

وفي بعض الأحيان نجد عدم تنازل الزوج عن أيّ حقّ قد يمنحه إيّاه المجتمع أو التقاليد، فلا يُبدي أيّ مساعدة في التخفيف عن زوجته، كتحضير مائدة الطعام معها، أو متابعة دروس الأطفال وغيرها من المهامّ المتعدّدة، ممّا يجعل الأمّ تتحمّل عبء اختيارها للعمل المزدوج وحدها خارج المنزل وداخله، فلا تُمنح أيّ دعم من قبل المجتمع أو الزوج.

ونصل إلى نتيجة حتميّة لتظفر الأمّ العاملة بالنجاح أن تضعَ خطة دقيقة تصل من خلالها للموازنة بين عملها وواجباتها اتّجاه بيتها وعائلتها، وهذه بعض الخطوات الفعالة لتحقيق ذلك:

 

1ـ تنظيم الوقت

يُؤكّد الخبراء أن مفتاح النجاح في أيّ مهمّة هو التنظيم، وتحتاج الأمّ العاملة أكثر من غيرها تنظيم وقتها وتوزيع مهامها، فيتطلب ذلك منها تخصيص (20) دقيقة أسبوعيّاً لتخطيط مهامّ الأسبوع، و(10) دقائق يوميّاً لتخطيط مهامّ اليوم، ووضع جدول زمنيّ ترتّب فيه المهامّ والأهداف والمواعيد، حيث أنّ تدوين المهامّ وتوزيعها على الأيام والأسابيع يساعد في إنجازها بفاعليّة ودون إجهاد.

 

2ـ تحديد المهام وترتيب الأولويّات

ذكرنا سابقاً أنّ الموازنة بين كلّ الأدوار أمرٌ مستحيلٌ، وإذا استطاعت الأمّ أن تؤدّيها جميعها فسيكون ذلك على حساب صحّتها، لذا من المهمّ أن ترتّب الأولويّات، مثل: (العناية الشخصية، الأمومة، الواجبات الزوجيّة، الطبخ، التنظيف) ويجب أن يكون هذا الترتيب من الأهمّ للأقلّ أهميّة سيخلّصها من التشتّت، ويُساعدها في معرفة من أين تبدأ مهامّها.

وتقسيم الواجبات على أيام الأسبوع يُؤثّر بشكل أكبر على زيادة فاعليّتها، كتخصيص يوم للغسيل ويوم للتنظيف وآخر لتحضير وجبات الطعام وغيرها، والاستعانة بالأجهزة المنزليّة الذكيّة يُساعد في توفير الوقت والمجهود.

 

3ـ قضاء الوقت مع الأطفال

يجب الحرص على أن يكون قضاء الوقت مع الأطفال على رأس الأولويّات، والاهتمام بنوعية الوقت وجودته لا كميّته، ومشاركتهم بعض نشاطاتهم، والحرص على الحديث معهم والاستماع لهم، أو اللعب والمرح معهم.

تذكّري أنّ التربية لا تقتصر على إعداد الوجبات الغذائيّة لهم، وترتيب ملابسهم، أو مساعدتهم في الدراسة فقط؛ فدور الأمّ أكبر وأعمق من ذلك.

وقد تقوم بعض الأمّهات بسبب شعورها بالذنب لابتعادها عن بيتها وأطفالها بالإفراط في تدليل أطفالها، والتغاضي عن سلوكيّاتهم السلبيّة، والاغداق بالهدايا والحلويات عليهم، وبالرغم من أنّ هذه الأفعال تمنح الأمّ شعوراً جيداً إلاّ أنّها ذات تأثير سلبيّ على الأطفال، ممّا يجعل علاقتهم بوالدتهم علاقة ماديّة خالية من العواطف.

فاحرصي على الموازنة بين عطفك على أطفالك وشعورك بالذنب، ولا تدعيه يسيطر على علاقتك بهم.

 

4ـ التواصل مع الشريك

قد تهملُ الأمّ العاملة علاقتها بزوجها، حيث تضيع بين إنهاء الواجبات البيتيّة وقضاء الوقت مع الأطفال، فتقع في فخّ الإهمال والروتين والملل في علاقتها مع الزوج.

لذلك عليكِ أن تحرصي على إيجاد الوقت للتحدّث مع زوجك، وإيجاد متّسع من الوقت للخروج في نزهة بمفردكما، أو مشاهدة فلم، أو تناول وجبة في مطعم، ودعي التواصل معه ضمن أولويّاتك ولو بكوب شاي في المساء، ضمن جلسة مليئة بأحاديث الحبّ والاهتمام، بعيداً عن العمل والأطفال.

 

5ـ توزيع المهام في المنزل

إعطاء الأطفال مهامّ بسيطة في المنزل يُخفّف عنكِ الكثير، وتعليمهم الاعتماد على أنفسهم في بعض الأمور كمسح الأثاث أو الحفاظ على نظافة المكان، أو مساعدتكِ في ترتيب المائدة، وترتيب فُرشهم وغرفهم..

ويمكنُكِ أن تُشركي أبناءكِ الكبار في الإشراف على إخوتهم الصغار، ولا تنسَيْ أن تُثني عليهم وتشكريهم على قيامهم بالمهامّ بشكل صحيح، كلّ ذلك سيُعزّز الشعور بالمسؤولية لديهم، ويُساعدهم في تقوية شخصيّاتهم وقدرتهم على الاستقلال.

ويمكنك أيضاً تشجيعَ زوجك على مساعدتك في بعض الأعمال، ممّا يجعلكم تقضون المزيد من الوقت معاً، ويُقوّي روابط الشراكة والتعاون بينكما، ويُوفّر عليكِ الكثير من الوقت والجهد.

 

 

 

6ـ رعاية الذات

عادة ما تضع الأمّ ذاتها والاهتمام بها في آخر أولويّاتها، وهو أمرٌ خاطئٌ وضارّ للعلاقة مع الزوج، فمن الضروريّ أن يكون لديك وقتٌ خاصٌّ بكِ أنتِ لتحافظي على سلامك الداخلي، وتشحني نفسَكِ بالطاقة الإيجابيّة، مثل ممارسة الرياضة والهوايات المفضّلة، أو الخروج لزيارة بعض الصديقات، أو القيام بأنشطة تُساعد على الترفيه والراحة، فهذه الأوقات ضروريّة للتخفيف من التوتّر والضغوط والمضيّ قدماً في إنجاز أدوارك ومهامّك.

وأخيراً.. تذكّري دوماً أنّكِ لن تستطيعي الاهتمام بالآخرين ما دُمْتِ مهمِلةً لنفسِكِ ولا تعتني بها!