في قلب التحديات التي تواجهها الأجيال الجديدة، تنبثق نماذج مضيئة، تحمل مشاعل الفكر، وتبشّر بمستقبل يليق بتاريخ العراق وحضارته، من بين هذه النماذج، برز اسم هاجر حسين العلو، طالبة في قسم هندسة الطب الحياتي، التي جمعت بين صرامة التخصص العلمي ودفء الأدب، وبين معادلات الأجهزة الطبية ومفردات الروايات والفكر.
شغف متجذر ومسؤولية فكرية
لم تكن مشاركتها في المسابقة الأدبية مجرد مغامرة، بل خطوة محسوبة تنبع من شغف عميق بالقراءة، ورغبة في إحداث تأثير حقيقي في مجتمعها، تقول هاجر:
"القراءة كانت وسيلتي للنجاة من واقع مؤلم، وأداة لرؤية أوسع للحياة والناس، المسابقة كانت طريقًا لإيصال رسالة بأننا أمة تقرأ، وأن العراق لا يزال يزهر بعقول شاباته وشبابه،"
ولم تفاجأ بإنجازها، بل توقعته بثقة، مدفوعة برصيد معرفي راكمته منذ عمر الثانية عشرة، وبحس داخلي بأنها ستكون الأولى، لم تكن ثقتها ادعاء، بل عزيمة جعلتها تقول لأمها صباح المنافسة: "رايحة أخلي اسمي بين الفائزين وأرجع"، فكان لها ما أرادت.
ثقافة متنوعة وميل فكري متجدد
وتؤمن بأن الثقافة الحقيقية تعني الإلمام "بشيء عن كل شيء، وكل شيء عن شيء"، بدأت رحلتها القرائية من الروايات التاريخية والبوليسية، ثم انتقلت إلى كتب التنمية البشرية، لتتعمق لاحقًا في الفكر العلمي والفيزياء، وأخيرًا علم النفس والسير الذاتية والذكاء الاصطناعي.
هذا التنوع في مصادر المعرفة جعل منها شخصية تجمع بين التفكير النقدي والخيال، وبين التحليل العلمي والحس الإنساني، وهو ما ينعكس في أسلوبها في الكتابة والحديث.
واقع القراءة بين التحديات والآمال
ترى أن واقع القراءة في العراق يمر بمرحلة حرجة، يتأرجح فيها الشباب بين الرغبة واللامبالاة، بسبب عوامل كثيرة منها ضعف النظام التعليمي، وتردي الأوضاع الاقتصادية، والانشغال بالتكنولوجيا دون وعي.
"لا يمكن أن نلوم الجيل دون أن نهيّئ له بيئة تدعمه، يجب أن تُفرض مادة للقراءة في المناهج، فكما نُجبر على الرياضيات والفيزياء، يجب أن نُدرّب على الفكر"
تؤكد أن القارئ العراقي يعاني من التهميش، رغم كونه صاحب أفكار خلاقة قادرة على حل الكثير من الأزمات، لكن صوته يُكتم لأن الثقافة، كما تقول، تخيف من لا يريد التغيير.
توازن بين التخصص العلمي والشغف الثقافي
تخصصها في "هندسة الطب الحياتي" لم يكن عائقًا، بل دافعًا لمزيد من التنظيم والجدية، تعمل هاجر في جمعية ثقافية بدوام جزئي، ما يفرض عليها قراءة كتب وتقديم ملخصات شهرية، وهو ما يمدها بوقود للكتابة.
"القراءة فاصل إعلاني جميل بين التقارير والمشاريع، تمنحني راحة وسعة صدر بعد ضغط العلم."
تجد في القراءة نقطة التقاء بين الطب والأدب، وتؤمن أن كل تخصص يحتاج إلى لغة، وفصاحة، ومهارات اتصال، سواء في إلقاء المحاضرات، أو كتابة الأبحاث، أو تقديم الأفكار.
خطى ثابتة نحو المستقبل
ولم تتوقف عند القرّاء، بل دخلت عالم الكتابة مبكرًا، ونشرت أول قصة لها بعنوان "إكسير الحياة" في سن 17، ثم التحقت بمواقع ومجلات ثقافية مثل واحة المرأة، بشرى حياة، رياض الزهراء، والأحرار، ومجلة للقوارير.
تحلم بإكمال دراستها حتى الدكتوراه، لا لتكون مهندسة فحسب، بل لتكون مدرّسة تنقل العلوم المعقدة بأسلوب بسيط تقول:
"أشرح لصديقاتي المسائل العلمية، ويؤكدن أنني أشرح أفضل من بعض الأساتذة، هذا يجعلني أشعر بقيمتي وأحب ما أفعل."
وتخطط لتأليف كتاب يدمج بين تخصصها وموهبتها في الكتابة، يشرح الأجهزة الطبية بطريقة مبسطة، باللغتين العربية والإنكليزية، ليساعد الطلبة في فهم تخصصهم بوضوح أكبر.
رسالة للفتيات
في ختام حديثها، توجّه هاجر رسالة لكل فتاة:
"القراءة ليست كلمات على ورق، بل أسلوب حياة، علاج للضياع، وترتيب للفوضى الفكرية، المرأة المثقفة قادرة على تربية أجيال واعية، وصناعة مجتمع متوازن. العلم والثقافة ليستا رفاهية، بل ضرورة في كل بيت، ولكل أم، وطالبة، وإنسانة طموحة"
المرفقات

واحة المرأة
يعنى بثقافة وإعلام المرأة والطفل وفق طرح عصري