بين كتبها وأحلامها ترسم نماء مستقبلاً مليئاً بالورود، وتخطّ أروع لوحات النجاح والتفوّق، كي تكونَ من أوائل صفّها كلّ عام، فإنّها لا ترضى بما دون الامتياز!

وبعد أن أكملت أربعة عشر ربيعاً من العمر زاهيةً بأيّام صباها، حلّ خريفٌ مفاجئ أثقل جسدها الصغير.

آلامٌ استحلّت جوفها على حين غرّة، أهملَتْها في البداية ظنّاً منها أنّها آلامٌ مؤقّتة، حتى اشتدّت عليها الأعراض وباتت تُعاني حتى من الأكل الذي تأكله، إضافة لهذا كان لحالتها النفسيّة وما تمرّ به من ضغوط وتوتّرات دور كبير بزيادة الوجع، الذي كان يباغتها بين الفينة والأخرى.

وبعد زيارات عديدة للأطباء في مدينتها بمحافظة واسط، وإجراء العديد من الفحوصات لمعرفة العلّة وإنهاء المعاناة، شُخّصت كمريضة قولون عصبي بدايةً، وبدأت تتناول الدواء، لكن دون جدوى، واستمرّ الألم يقتل متعة حياتها، حتى استيقظت في أحد الأيام على ورم في الجهة اليسرى من بطنها، راجعت المزيد من الأطباء على أثره، وبعد الاختبارات التشخيصية وجد الأطباء أنّها مصابة بالتواء المبيض، ووجود ورم داخله، وهو ما لم يكن بالحسبان، ثمّ تبيّن أنّه حميد بعد إجراء عملية الناظور التشخيصي، وأخذ خزعة منه وفحصها.

أُحيلت نماء الى غرفة العمليات مرّة أخرى لإجراء عمليّة استئصال للورم، وعلى أثر ذلك فقدَتْ نماء أحد مبيضيْها ونصفاً من الآخر، وكذلك جزءاً من القولون، مع الاستمرار بأخذ العلاج الكيميائي كإجراء أخير من مرحلة علاجها.

اليوم أكملت نماء نصف المرحلة الأولى من العلاج في (مؤسسة وارث للأورام) وبشكل مجاني، متبقياً لها مرحلة أخيرة لتستعيد عافيتها، وتعود لتتنافس مع زميلاتها في مضمار الدراسة، ولكي تحرز لقباً جديداً مزيّناً بالتحدّي والإصرار، ولذة التغلّب على المرض.

 

التقتْ واحةُ المرأة والطفل بهذه المحاربة الصغيرة لتستمع إلى قصّتها المليئة بالصبر والتحدّي، والتغلّب على المرض، وهي تحوّل لحظات الوهن الى تجربة مفيدة، تعلّمتْ منها الكثير، وقوّمت شخصيتها، وأضافت اللباقة لحديثها.

أعربت نماء خلال حديثها عن امتنانها للعتبة الحسينية المقدسة، التي تُقدّم الخدمات العديدة إضافة للعلاج الكيميائي، وكلّ ذلك مجاناً للأطفال في مستشفى الأورام التابع لها، وأنّها فرصة عظيمة لمساعدة أهالي الأطفال الذين تخونهم قدرتهم المادية على علاج أطفالهم.

 

ماذا بعد الشفاء؟

تطمحُ المحاربةُ الصغيرة للترفيه عن نفسها بعد انتهاء رحلة العلاج المخصّصة لها، عن طريق السفر وممارسة الهوايات المحبّبة لها، كنوع من التخلّص من الضغوط النفسية والتعب والإرهاق الذي صاحب مرحلة العلاج الكيميائي، ثم تعود بعدها للمدرسة وخوض ضمار التفوّق مجدّداً، متحدّيةً كلّ الظروف والمصاعب التي مرّت بها لتصنع نجاحاً استثنائيّاً، وتحرز معدّلاً عالياً في المرحلة القادمة.

 

نماء وحلم الأمومة

بعد سؤالها من قبل واحة المرأة عن مشاعرها تجاه موضوع الأمومة، خصوصاً وأنّها قد بقيت بنصف مبيض جرّاء عملية الاستئصال، أخبرتنا أنّ طبيبها طمئنها بإمكانيّة اكتمال المبيض لديها، لأنّ سِنّها ما دون الرشد، وأنّها ستتمكن بإذن الله من الإنجاب بصورة سليمة أطفالاً معافين، حيث أنّ إصابتها بالورم لم تكن وراثيّة.

أضافت نماء لواحة المرأة أنّ هذه التجربة علمتها الكثير، وأضافت لها العديد من الخبرات، وهي اليوم تطمح لأن تكون طبيبة أورام في المستقبل، كي تُساعد مرضاها في محاربة السرطان والتغلّب عليه .

 

وفي نهاية اللقاء

في نهاية حديثنا معها تمنّت نماء الشفاء لها ولجميع مرضى السرطان، وأن يضعوا ثقتهم في الله وتدبيره، فهو عليم بضعفهم، وهو لا يضيع أجر الصابرين.