في احدى عزائم العائلة اجتمعتْ مجموعة من الفتيات وفي جلسة استراحة سألتُهن عن أحلامهن وأهدافهن، تفاجأتُ حينها عند ارتفاع الضحكات وكانت الاجابة موحدة كأن الجيل على اتفاق انهن يراقبن الأيام تمضي بعبارة (بكيف الأيام)، وفي تفاصيل أعمق في الحديث علمتُ أن جلّ أيامهن تنتهي بالنوم ومواقع التواصل وبعض الوقت المخصص للدراسة الأكاديمية والعمل في المنزل، وحينما حاولتْ أوضح لهن أن الأهداف مهمة، والإنسان من الضروري أن يبني نفسه، وغيرها من أمثلة ضياع الإنسان، قوبل حديثي بابتسامة فيها من تحريك الضمير أقل من عُشر مقارنة بوسوسة التسليم للراحة التي توفر لهم متعة يظنون أنها تسعدهم غير أن الحال معاكس تماما فهي تهديهم للضياع في لذة مؤقتة، حيث أن مواقع التواصل لا ترسم ملامح حياة واقعية بل الجزء (الأتفه) منها، لأن مسير الفرد لا يحتاج إلى مزيد من الأطباق الفاخرة والاسبيرسو ومساحيق التجميل، بل لا تعدو كونها مجموعة من الكماليات، أما المعنى فهو في صناعة الإنسان نفسه وخلق منظومة علاقات تبدأ من علاقاته بربه ونفسه وعائلته والمجتمع، وتخصيص وقت لإعطاء كل ذي حقٍ حقه، بسيطرة تامة، وبعد هذه المرحلة من الضروري أن يصنع الإنسان تميزا يتفرد به، يمارسه لتخفيف ثقل المسؤوليات وينعش به مسيره اذا ما أبتُلي بصعوبة المشي.

إن كتب بحث الإنسان عن المعنى والخلود وفلسفة غاية الوجود وغيرها التي كانت _نعم كانت_هدف الإنسان الأول هو يتأمل في خلقه ويكتشف نفسه، والمجتمع من حوله، اليوم تُرمى عرض الحائط، فأصبح الإنسان بعيدا كل البعد عن التأمل بسبب ما يشغله من الريلز والتسارع للرد على التعليقات والتفكير بتصوير زاوية جيدة، فضلا عن البحث عن مستحضرات التجميل والعمليات التي تظهرهم بصورة أجمل، ومتابعة العروض، وزج الإنسان في أكثر من عمل للحصول على المال الذي يكفي كل تلك الكماليات ناسيا نفسه!