من فرط حبي، وسعة لوعتي، شعرت بأن قاربا صنع على عجل من خيوط حريرهم، ليقلني في السفر إلى كربلاء، أو أنني ناشدت أولياء الأرض، وأنبياء السماء، وأوصياء سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، بأن ينجدونني بدعائهم، وينتشلونني ببركاته، فتطوى إلي الأرض، وتختزل لي المسافة، لأجد نفسي بين الزوار في أرض كربلاء الطاهرة، لأعثر على حظي وحاجتي في الزيارات الميمونة، لما هو عندي قدس الأقداس، ونفيس الأنفاس، فإذا كانت الزيارات غالبا ما ترتبط بسياحات التي ينال فيها الجسد حظه وتعب فيها الغرائز من كل ما يزيد في المتعة ويرفع السعادة، فإن في هذه الزيارة _ السياحة؛ إلى أرض الشهادة سماؤها وأرضها، وإلى باحة الطهر التي سقيت بدم الإمام الحسين الزكي، وشهدت أكبر مأساة في العالم، التي ذبحت فيها البراءة وهي عطشانة، ومزق فيها الوحي وديس فيها على السنة المطهرة المشرفة، وسيق آل الحسين وبضعته، أو لحم الرسول ودمه أسارى نساءا وأطفالا، يحيط بهم جند مجلجل بالسلاح، إلى قصر اليزيد اللعين، آه آه ..؛ من نكبة الإسلام، وتضعضع صف المسلمين، وتبعثر جمعهم، ما أوقع الهزيمة، وما أنكى الإستشفاء، قريش المشركة تثأر لنفسها، والموتورين منهم ينفسون عن غيضهم، والمنافقون المندسون يتنفسون الصعداء، لهذا كله أود أن أعيش المأساة في بيئتها، هي وحدها الكفيلة بتصفيتنا، وتطهيرنا، مما ربما علق بنا، من أوشاب الجاهلية، أو من أدران قريش، نتيجة إحتكاكنا بثقافتهم، و تجرعنا لعلمهم وفقههم، جهلا بحقيقته، وعدم دراية بجوهره، أبارك لإخوتي الذين وفقوا للزيارة، أو نالوا القبول، ففازوا بالأجر، بعد أن دفعوا مهر ذلك، كلفة مصاريف، ومشقة سفر، ومع هذا هم في أتم غبطة، وأكمل زهو، لأنهم بهذا ساروا الشهداء الأحياء للحسين (عليه السلام)، هاهم الآن جلساء في مجلسه، ومريدون وطلبة بين يديه، يجهدون في أن يتصوروه، ماثلا أمامهم، يسكب العطر على أجسامهم، ويدع سره يتسرب إلى أرواحهم، سكارى من النشوة التي إعترتهم، وفي نفس الوقت حيارى تمتلؤ صدورهم أسفا، وتنزف قلوبهم دما، وقد غمرتهم ذكرى المأساة، فأنستهم أنفسهم، آه آه.. ياليتنا يا إخوتنا كنا معكم ..؛ مستغرقين في ممارسة هذه الشعيرة المباركة، ومنغمسين في البكاء والنحيب، ومنكفئين إلى التوسل والدعاء، لبيك يا أبا عبد الله.. لبيك يا حسين .. مرحى مرحى بالأربعينية..

نحن نعتقد أن من نوى قد فعل، وإذن فنحن قد فعلنا...