قيل الكثير في حُسن فضيلة الصمت، ودُبّجت المقالات وتزيّنت بجمالها، ولكن ليس بمقدور الجميع الإبقاء على أفواههم مغلقة لساعات، وليس الجميع كذلك قادر على كبح جماح النطق، فالمرء بطبعه ثرثار، يتكلم فيما يعنيه وفيما لا يعنيه أيضا.

فالصمت كما هو واضح ممدوح، وخصلة طيبة دأبت أدبياتنا الاسلامية على تبيانها، باعتبارها واحدة من مرتكزات الشخصية السويّة.

ويقول أمير المؤمنين عليه السلام: لا عبادة كالصمت.

هذه قيمة الصمت في الحياة العامة، فهل هي كذلك في حياة المتزوجين؟ بماذا تفسرين عزوف زوجك عن الكلام؟ وكيف تتصرفين اذا فضّل الصمت على الحوار؟

 توجّهنا بهذه الاسئلة للسيدة ( أنوار النواب) محامية وخرّيجة إحصاء، استمر زواجها لأكثر من ثلاثين عاما، ولم يُكتب لزواجها النجاح والاستمرار تقول: "من الأشياء الصعبة على كاهل الزوجة أن ترى الطرف المقابل يتخذ الصمت كسلاح، نعم أنا أعتبره نوعاً من أسلحة المواجهة والمحاربة، ومرّة يكون الصمت نتيجة لمشكلة يواجها الزوج، لا علاقة لها بالزوجة، وفي أحيان أخرى يكون الصمت وراءه جذر لمشكلة، على الزوجة أن تبحث ذلك مع الزوج بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لتعرف الأسباب والدوافع، فان كان لها يد في ذلك فالمسالة سهلة، بمقدورها اتخاذ السبل العلاجية لحلحلة المشكلة، ربما يكون منزعجا من صفة، أو تصرّف صدر منها لا يحبه، وذلك لإنقاذ العلاقة الزوجية".

وأتمتْ" نعم .. اعتقد أنّ الفضفضة والمكاشفة هو السبيل الناجح، وعدم الحكم من طرف واحد، بإمكانها أن تفتح الحديث بدون اتهامات مسبقة،لأنه إن فعلت سينقلب السحر على الساحر، وتزداد الأمور سوءا، وعليها أن تبدأ بتسليط الضوء على ايجابياته، ويُعدّ هذا تشويقاً له وجاذباً لاكمال النقاش، وأنا شخصيا عشتُ هذه التجربة، وحاولتُ بشتى الوسائل معالجتها، وعندما لم يستجب الطرف الآخر، وصلتُ لطريق مسدود، فكنتُ كنافخٍ في قربة مثقوبة.

وفي حالات معينة، يكون صمت الزوج اكثر اثرا في الايذاء من تراشق الاتهامات، وأكثر إيلاما من الطعنات بآلات جارحة، وأكثر ألماً من فقد الزوج والترمّل فكان لزاما قطع العلاقات المؤذية لحل أفضل، كالعمليات الجراحية المؤلمة".

أمّا السيدة (هدى محمدي) خطيبة حسينية وكاتبة، لها رأي آخر في موضوعة الصمت تقول: "الصمت موضوع لافت، بقدر ما يحمل من عمق ومعاني، الصمت لغة الصابرين، وانفاس الصالحين، فهو لا يعني عدم النطق، بل الحكمة في التدبير والتصرف؛ ربما نصمت لتدارك الأثر سواء لنا أو علينا، وتحصيل نتيجة تصب في الصالح الخاص او العام، احيانا الصمت يعني الرضا، وأخرى تعني التجاهل، وهناك صمت يعني الضعف، ونفاذ القدرة للمواجهة، إذن الصمت لسان حال الظرف، سواء كان ساخنا أو باردا، ونعيل على الصمت، مواقف وآراء حتى في المواجهات الصعبة، لتجنب المشاكل أو لحقن هيجان النفس، فالصمت لغة بارعة لا يتقنها إلا ذو حظ عظيم، أما على وجه الخصوص كصمت الزوجين، فإن الصمت الحل الأنسب لكثير من المشاكل، سواء على الصعيد العاطفي أو الاجتماعي أو السلوكي، لأنّ العائلة المشحونة بكثرة الكلام والرد، تحتاج إلى لسان أنيق صامت، ولكن هذا لا يعني أن نصمت اي نتجاهل الحلول، بل نصمت مبدئيا كمرحلة ما قبل التخطيط، لأن الصمت يحجّم الأخطاء، ويجعلها في قالب الحلول الممكنة، واعتقد أن الزوجة ولأنها محور العائلة، واستدراج أحوالها يقتضي منها الصمت في كثير من المواقف، لتحد من الثرثرة التي ربما تعتريها، كتعريف عن شخصيتها بين أفراد أسرتها، تصمت مجبرة أو مخيّرة، وبموقفها هذا سوف تجمع الأسباب بحنكة، حتى يتسنى لها الدفاع عن نفسها وأفكارها قولا وعملا،

ويتمثل حدود الصمت ربّما بجملة، أو بسؤال، أي أن تستغل مفرداتها الأنثوية والعاطفية، وتجعلها في سياق خاص لتصل إلى مبتغى التألق، ولا يوجد شيء اسمه صمت كامل، بل صمت بمشاعر، بذكاء، بحوار، بصفة الاستدراج لفهم الحقيقة، فبعض الصمت قاتل للمرأة، وآخر رافع لشانها، وهو أروع ضابطة للنفس واللسان، ويكفي شر كثير من الهواجس قد تمر بالأسرة".

أمّا السيدة نرجس العبادي ( خرّيجة تحليلات مرضية) وحديثة عهد بالزواج، مرّ على زواجها سنة ونصف، تُرجع أسباب الصمت لعدة أمور، فتقول: "هناك عدة اسباب، منها ما يخصّه كأن يكون طبعاً فيه كرجل، أو لتزاحم الأفكار لديه، أو لعدم وجود مواضيع مشتركة بين الزوجين، أو قد يكون منطق الزوجة غير مستساغ له، واذا فضّل الصمت سأكون المبادرة في الكلام، وإيجاد الخلل في التواصل، ومن الضروري معرفة قيمة الحوار في العائلة، فهو لبنة أساس تقوم عليها كل صوامع المودة والرحمة.