ثمة حدث أو حكاية لا زالت عالقة في ذاكرتي منذ ايام الصبا لا ادري لماذا؟ ربما لما تضمنه الموقف من دلالة واقعية جعلتها ترسخ في الذاكرة ولا تتركها، أو لربما لتلك الصورة الرائعة التي رسمت جزءًا من مسيرتي الأسرية فيما بعد، حينما أتت امي بصرة قديمة قدمتها بيديها الناعمتين لابي، كان موقفها هذا إذا لم تخني الذاكرة لتكملة بناء المنزل الذي سيأوي العائلة ويمنع سيل ماء وجهها في الاستئجار أو التنقل من مكان للآخر، سيما بعد أن توقف لأسباب مادية جعلت الأب البسيط عاجزا عن تنشئة ذلك المنزل، لضعف حالته المادية والذي سيكون ملكا لنا مستقبلا، فتح أبي الصرة فاندهش بقطع ذهبية تعود لأيام الخير من مصوغات عرسها وكانت لا تزال محتفظة بها على الرغم من مرور ما يقارب الثلاثين عاما، فكانت فرحة أبي لا توصف عندما انقذته صاحبة القلب الحنون في عرضها الذهبي فكان بخاطرها تطبيق المقولة الشهيرة الذهب زينة وخزينة.

هذا المبدأ شعار أغلب النساء في الزمن الماضي وقد يكون مطبقا إلى الآن، بطرق متعددة وأساليب ناضجة في السخاء والكرم والتعاون بين الازواج، دون أن يصيبهن الزعل أو الحسرة على ما فرطن بخزينتهن الذهبية، لأن كل الأمور تهون عليهن إذا ما كان الزوج يقدر تلك التضحية والموقف ويحسب لها حسابها التقديري، فكل ذلك يعد من أساسيات الأسرة الناجحة والمتعاونة في بناء حياتها بطريقة هادئة ومتماسكة للتغلب على كل التداعيات التي تمر بها، وحتما ستكون الحياة بهذا التماسك مبني على أساس متين وقوي ينعكس بالتالي على أفرادها وتفكريهم وسبل بناء حياتهم المقبلة.

فأغلب الحكايات والقصص القديمة التي عرفناها على أفواه الجدات والأمهات تتشابه في مضمونها العام حينما تمر على مسيرة الأسرة موقف أو أزمة بحاجة إلى حل أو منطلق لتتعدى ذلك بمنتهى السهولة، ونسمع أن الادخار سواء كان مالا أو ذهبا هو يأتي بنفعه في اليوم الاسود كما وصفوه زمان، لذا أتت كل القصص بموقف ايجابي حيال العيش والضمان وراحة البال، وقد تعلمنا الكثير من تجارب أمهاتنا وجداتنا في تلك الحالات وكانت أسوة حسنة لمسيرة حياتنا المليئة بالحاجات الضرورية والمهمة التي لابد من توفيرها تماشيا مع التطورات الجارية والملزمة في جعل الامور تسير بشكل اعتيادي، وكل ما ذكرناه هي دروس وتجارب من الماضي لها وقعها في النفوس وفي حيثيات المواقف التي تتطلب أن نكون بمستوى المسؤولية في كل المواقف وما أكثرها في هذا الزمن القاسي احيانا.