كلنا معرضون للفراغ وغالبا ما ندعي الامتلاء وهما، فنتهم الوقت بالسرعة والبدن بالتعب والعقل بعدم التركيز نهدي أنفسنا مزيدا من الراحة في النوم لأن نعاني من كل ما ذكرناه في الأعلى، نتابع دوران الأرض لينتهي بعض الوقت علّها ترمي بنا في مكان يستحق العيش والتفكير والنشاط، ننتظر بعجزنا أن تحركنا الحياة لا نحن نحركها!

وهكذا تمضي أيامنا دون جدوى لنا! هذا المرور الذي يسرقنا غالبا ما يقتل ما تبقى من هواية حاولتْ النهوض لكنها أدبرتْ لأننا لم نهتم بها بسبب الانشغال بالفراغ المصاحب لندب الحظ واتهامه بكل ما مرّتْ به الأمم السابقة واللاحقة.

وفي استطلاع أجرته مجلة للقوارير عن كيفية ملء أوقات الفراغ

أجابتْ سناء عادل (49 سنة) موظفة: "كان شغفي سابقا الخياطة فتعلمتها من احدى قريباتي، ثم بدأت بالبحث والاطلاع على ما موجود في الأسواق أو ما تخيطه الاخريات وأطور مهاراتي، ثم أتقنتُ فن التطريز ليكون لمسة أضيفت إلى عالمي في الخياطة، وقمتُ بخياطة عدة فساتين للأعراس ومجموعة من الأثواب، قضيتُ في الخياطة أكثر من 25 سنة، إلى أن بدأ طول الجلوس يتعبني فتركتها اليوم أنا أقوم فقط بالخياطة لعائلتي وما تقتضيه الضرورة، لازلتْ أذكر أنّني كنتُ ما إن يتوفر لدي الوقت حتى أجلس على مكينتي وأعيش معها عالمي الخاص فضلا عن أنها كانت تمثل أحدى روافد مدخولي الشهري.

الحاجة أم عماد في عقدها الثمانين تستذكر لنا أيام صباها: " كنّا نصنع الحصير من الخوص وبعض الأدوات التي ممكن أن تُصنع منه، بدأتْ مجرد هواية ثم تطورتْ لتُصبح مهنة نسترزق منها أنا وأخواتي السبع بعد أن قمتُ بتعليمهن المهنة ذاتها وبدأنا نطور العمل ونبدع بأفكار جديدة ويأتي الزبائن ليبتاعوا منّا أو يوصونا على ما يحتاجون ونحن ننفذه، مستثمرين نخل بستان والدي، كانتْ حكايتنا اليومية تبدأ من الفجر ثم نقوم لنتمَّ عملنا ونعود وهكذا كان الوقت مقسما"

أما زهراء أم مؤمل فتقول: "أحب العمل في الحياكة لذلك كنتُ أملأ أوقاتي بها كما أراها المُسلي الوحيد لي، استطاعتْ هذه الموهبة أن تحيكني وتربيني على التحمل والقوة، فضلا عن أن التنوع اللوني كان يلهمني الاسترخاء، كما كنتُ أفضفض لها أحيانا بالدموع وأخرى بابتسامة، ولا زلت أمارسها حبا لها واستثمارا للوقت"

 

أما زهراء محمد (17 سنة): "في بادئ الأمر كان وقتي يضيع في مواقع التواصل ولأنني لم أكمل دراستي كان وقتي يفيض يوميا ليهديني للدمار والملامة، لكن بعد مدة استثمرت وقتي بتعلم الطبخ المنزلي وقد شجعتني جارتنا على فتح صفحة في الفيس بوك، وتجهيز العوائل بما يحتاجون من الأطباق، والحمد لله نما مشروعي واليوم أرى نفسي أكثر سعادة مقارنة بضياع وقتي على مواقع التواصل"

وطريق أماني حسن طريق مختلف فهي في السنة الرابعة من الجامعة حافظة للقرآن الكريم: "في عائلتي نحن أربع أخوات غالبا ما نستثمر أوقاتنا بالتسابق في الحفظ والمراجعة المستمرة، فنحن ننظم أوقاتنا بين الحفظ والدراسة ومساعدة الوالدة وحتى مواقع التواصل استطعنا استثمارها بتشجيع الأخريات والتواصل مع الأستاذات"

هذه بعض المشاركات النخبوية التي في قبالها جيلا كاملا من الذين لم يجدو لأنفسهم أهدافا وطموح وموهبة بل جرّتهم مواقع التواصل إلى الانشغال بما لا ينفعهم بل يضرهم، والبعض الآخر استثمرها بما يخدم تطوير ذاته.