لن تذهب من ذاكرتي تلك المربية الفاضلة التي اوشكت على التقاعد بهندامها المرتب الجميل الذي بدا لي آنذاك وكأنه قادم من العصور الوسطى واسلوبها الحازم الغريب في مراقبة تصرفات طالبات مدرستي المتوسطة وهي تحضر صباح كل يوم في جولة بين الصفوف حاملة مناديل ورقية لتتفحص وجوه الطالبات بإمعان من خلال نظاراتها السميكة خوفا ممن تجرأت على وضع مساحيق التجميل بعيدا عن أنظار الأهل فترجع خالية الوفاض و(إذا صلح القائد فمن يجرؤ على الفساد) كما يقول كونفوشيوس.

تلك كانت هيبة مديرة مدارس أيام زمان عندما كانت تراقب هندام الطالبات بكل تفاصيلها مع قائمة طويلة من الممنوعات وتحاسب وتعاقب بمباركة واسناد من الاهالي.

أما اليوم فقد أصبحت الكوادر التدريسية تصدم من تصرفات بعض الطالبات المراهقات غير المسؤولة التي تتم بتشجيع من عوائلهم وتحت انظارهم مثل المكياج الخفيف والملابس الضيقة وغيرها من الاخلاق المستوردة التي اصبحت تدق ناقوس الخطر.

ورغم إن الأم مدرسة إلا إنها في بعض الأحيان تتحول إلى طالبة فاشلة لا تنجح في غرس مفاهيم التربية الصالحة لدى بناتها وتتحول إلى آلة لتخريب الذوق والاخلاق فترسل ابنتها إلى المدرسة وكأنها ذاهبة الى حفلة تبحث فيها عن عريس المستقبل في وقت تحولت فيه بعض المدارس وللأسف من مكان دراسة إلى مكان لاستعراض الازياء والجمال فيما أصبحت حقائبهن الدراسية سوقا مفتوحة لأرقى ماركات المكياج.

لذا قد لا يستسيغ بعض أولياء الامور محاسبة المدرسة لبناتهم ويعتبرون بعض السلوكيات الخاطئة بانها حرية شخصية ولم يعد هناك من يقول إن التربية أعز من الولد.

تحية حب واحترام للهيئات التدريسية التي خرّجت أجيالا مثقفة وواعية وتفرض النظام بشخصيتها القوية وتؤدي واجبها بإخلاص للمحافظة على بناتنا من التدهور الاخلاقي وعلى الادارة أن تكون على مستوى من الحدية في الطالبات بالتعاون مع الأهل الذين هم الثقل الأول والأكبر والاخير في هذا الموضوع والا على وزارة التربية أن تتخذ لها أسما آخر هو وزارة التعليم فقط لأن التربية أهم واسمى واجب.