نجاح الجيزاني

(تعرفتُ على بطلة العراق في تحدي القراءة، واسمها زينب وجرى الحديث بيننا، ثم صرّحت لنا ان الفوز سيكون عراقيا هذه المرّة، فقلتُ لها: بل سيكون سوريا، فقالت: بل عراقيا، فقلتُ: بل سوريا، ثم اتفقنا في النهاية ان يكون سوراقيا!)

تلك كانت كلمات مقتطفة من مقابلة للطفلة السورية (شام) الفائزة الأولى في مسابقة تحدٍ القراءة على مستوى الوطن العربي لعام ٢٠٢٢، فماذا تكشف هذه الكلمات من دلالات؟ وماذا تنطوي عليه من رؤى وتحدي وإصرار؟ وكيف نقرأ ونحلل مستوى الفهم الذي وصلت اليه؟

لا شك أن للتوجيه السليم أثرا كبيرا في ارساء دعائم الشخصية الملهمة والناجحة، وخصوصا إذا تمّ هذا التوجيه منذ بواكير عمر الطفل، وفي سني طفولته الأولى، فالبيئة الحاضنة للطفل هي المؤثر الأكثر فاعلية في حياة أي طفل.

وليس بالضرورة أن يتمّ التوجيه بأفعال الطلب والأمر، بأن افعل ولا تفعل، يكفي أن يرى الطفل سلوكيات الوالدين كي يقتفي الأثر ويشرع في التقليد.

ففي حالة الطفلة (شام) كما رأينا، أنّ والدتها كثيرة الاهتمام بالكتب، وهي ممن تقرأ كثيرا، لذا من الطبيعي أن نجد هذه الطفلة تتأثر بشكل أو بآخر بهذه البيئة المحبّة للقراءة والكتاب.

طفلة لا تتعدى السبع سنوات، كيف استطاعت ان تُحسن القراءة وهي بهذا العمر؟!

وكيف صنعت هذا الألق الملفت، وهي تجيب على أسئلة اللجنة المشرفة، بكل ثقة وأريحية وبلغة سليمة تامة؟!

إنه التوجيه والمتابعة من الأم بالتأكيد، كما أنّ الإصرار على التميز ومن ثم الفوز، هو ما جعل الطفلة شام تنفرد من بين جميع أقرانها من الأطفال.

يقول العقّاد: (أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة، وحياة واحدة لا تكفيني، والقراءة دون غيرها هي التي تعطيني أكثر من حياة، لأنها تزيد هذه الحياة من ناحية العمق).

 فالقراءة رحلة ممتعة في عالم جميل، تجعل القارئ يغوص في عوالم مختلفة، وتزيده معرفة بتجارب الآخرين، وكذلك الطفلة السورية شام رأت في القراءة رحلة ممتعة تزيدها علما ومعرفة وفهما، فصارت أيقونة ورمزا للطفولة الهادفة.

وهذا يمثّل تحديا كبيرا في عالمها الطفولي، والذي ينبغي ان يصطبغ باللعب واللهو البريء، إلا أنها اختطّت لمسيرها نهجا مغايرا وهو الغوص في عالم الكتب، والتزود بالمعرفة المبكرة.

إنها التي تجعل من الطفل رمزا وقدوة، يتحدى بها كل الظروف والمعوّقات، حتى وإن كانت بحجم الحرب الدائرة رحاها في الشام.

فشام الشام تحدّت يُتمها (فهي يتيمة الأب) ذهب ضحية الانفجارات التي أودت بالآلاف من السوريين، فأخذت الأم على عاتقها دور الأم والأب معا، لتصنع من ابنتها قدوة لكل فتيات الوطن العربي.

وهذا بحد ذاته تحدٍ لكل الأمهات، ولكل النساء اللواتي تنضوي أسماؤهن تحت مسمى (الأمومة)، فالأم صانعة الأجيال، ومن تحت ردائها يتخرج أبناء هذا الوطن، وهم يمسكون بأيديهم عصا التغيير المنشود، ويحملون في عقولهم فكر التنوير، لعصور داهمها الظلم وأطبقت عليها الظلمات.

فهل أمهاتنا يا ترى بحجم هذا التحدي؟ وهل بمقدورهنّ ان يصنعن لنا شبيهات (شام)، يُحسنّ تحدي قراءة الكتاب في زمن اضمحلت فيه القراءة، وقلّ فيه القارئون؟