للحزن سطوته وهيبته والاعتزاز به حتى امتلأ الجزء الأكبر من ذاكرتنا بتفاصيل حزينة، ودراما تحويل اللحظات السعيدة إلى حسرات ننفضها حين تمر عابرة على تأملنا، فتلك الأيام التي نصحو فيها بسعادة غامرة، فنهتم ببشرتنا، ونخرج ببهجة للعمل ونشعر أن هناك أجنحة تكاد أن تأخذنا للمساء، حتى طريقة النظر تكون مختلفة وكأننا نلمس جمال حركة السير لأول مرة، فنستمتع بتفاصيل صغيرة كوالد يحتضن كف ابنته، أو شابة خجلة تحاول العبور فتقف لها السيارات لتعبر متشكرةً منهم بحركة رأس فيها شيء من الوقار، أو عامل يُكمل طعامه فيلثم الخبز حمدا لله، تلك اللحظات التي نتجرد فيها عن تراكم أحزاننا وكأن الراحة زُقَّتْ في الروح كمحطة استراحة من نكبات الأيام.

هذه البهجة التي تحتضن الروح فجأة ليستْ الهاما خارجيا وإنما صنيعة مُبيتة أطلقتْ عنانها على إثر عطاء أو ابتسامة في موضعها، وحتى عبادة صغيرة تلك التفاصيل من شأنها أن ترسم سعادة داخلية تطغي على ما تتلقاه من كم السلبية المتفشية في أرجاء المرتدين ثوبها!

عادة نحن لا نقرأ تفاصيل عن الشعور بالارتياح أو الفرح لأننا نظن بأنها احدى استحقاقاتنا في الحياة، فلا نعرف السبل اليها؟، أو كيف نخلقها؟، وحتى المحافظة عليها؟، ونكثر من الكتابة والغوص في محور الألم والفقد والاشتياق تلك التي تتلذذ في ايقادها الكلمات وتتمتع في استعادتها الذاكرة، والحقيقة التغني بتلك التفاصيل العميقة يميل إليها القلم فحين تحاول أن تخط غيرها يهرب عنك بعيدا ينعتك بالمغفل ففي الوقت الذي تحتاج أن تتزود من التمتع بلحظات السعادة أنت تدخل حروفك لتتجه في نهاية المسير إلى اضافتها لذكرى مؤلمة.

هذا الشعور الإعجازي التي يوازي الحزن بل ويفوقه في اعطاء الدعم والحث على التقدم نكاد أن ننتهك حقوقه بالاستمرارية فنحن نعيشه بصورة مؤقتة في الوقت الذي نكثر من رواسب الألم، فلو دققنا جيدا نجد أن العيش مع أي شعور بين كفي ارادتنا وادراكنا ليس وحشا يهاجمنا من الخارج!