تتلاقى النفوس بين أروقة الحياة وتتفاعل فيما بينها مُشكّلة أواصر الترابط المجتمعي، وتنطلق نحو الهدف الأسمى متمثلة بنيل مرضاة الباري عز وجل، وحين يجسد الفرد داخل مجتمعه أبهى صورة مما يؤسس لحياة خالية من المنغصات، يتبادر إلى الذهن تساؤلا، ما العائق من أن يكون المجتمع كما ثبت لنا قواعده موضع الوحي والرسالة؟ خالية من بعض السلوكيات المقيتة التي تؤدي إلى ايجاد حالة من التناحر ما بين أفراد المجتمع الواحد، ولعل من أكثر الظواهر السلبية انتشارا في الاوساط هي الغيبة وما تترك من آثار ومخلفات ضارة على صحة التكوين الاجتماعي، وقد نبه الله تعالى وحذر بني البشر منها في قوله تعالى: (أيحبُ أحَدُكُم أن يأكُل لحمَ اخيهِ ميتاً فكرِهتُموهُ)، فنجد وصفا دقيقا وتصويرا لتلك الوحشية في أكل لحوم البشر التي حرمتها الشريعة الاسلامية.

أخذت الغيبة مأخذا واسعا داخل المجتمع حتى أضحت ظاهرة معتادة عند الاغلب مما أدى إلى أن تصيب ضمائر الأفراد لتسول لهم استباحة بعضهم البعض، فيكون نتاج ذلك وخيماً حتماً و يصعب التخلص من تداعياتها

وإن هذه الآفة ليست بوليدة العصر فلقد تخللت اغلب المجتمعات ومنذ الأزل إلا أن تفشيها الملحوظ في وقتنا يعزى للعديد من الأسباب و لعل منها ما ادخلته علينا العولمة من فوارق على مستوى الافراد لاسيما بعد الانفتاح الواسع على مجتمعات بعيدة كل البعد عن مجتمعنا الديني، واليوم نرى الغيبة مادة دسمة لأغلب المجالس والتجمعات المختلفة، وقد ادى اثر شيوعها الى تفشيها أنواع الشرور المجتمعية، فينقُل الفرد شر فعل اخيه ليشتري بذلك سهما من ذنوبه ولربما يدفع لتلك الذنوب محصلة اعماله.

لا تنحصر الغيبة على ذكر عيوب الاخرين أو ذنوبهم بل الدائرة اوسع من ذلك بكثير فذكر أي شيء يتعلق بشخص اخر ومما لا يحبذ سماعهُ بحضوره من عيوب حقيقية في بدنه وثوبهِ وحتى في دينه جميعها ضمن هذه الدائرة، كما انها لا تنتج عن اللسان فقط بل جميع ما يصدر عن الجوارح من يد أو عين يخص الاخر يعد غيبةً ايضا.

تصور الغيبةُ كل ما قد يغير المنظر الجميل لشخص ما حتى وإن لم تتعدَ الصدق في ذلك ، فلو تعدى معنى الذكر الصادق تتحول الى بهتان فالمنظور القرآني لهذا الامر يوجب على الانسان

أن يكون ضمن حدوده، كما على كل فرد ان يدرك معنى استغابة الاخرين وهل من جدوى أو فائدة من تناول عيوبهم وتناقلها؟، اذ انه لا ثمرة منها غير الندامة يوم لا تنفع صاحبها.

بالإمكان التأمل وتصور مجتمع خالٍ من هذه الافة التي اخذت تستفحل بشكل كبير.

الاجدر والامثل ان تنادي الاصوات وتدعو إلى الخير وجميل الاخلاق بالتالي سوف يبنى مجتمع طيب قد اضمحلت الشرور فيه وفنيت القباحة بكل اشكالها.

الامل بالتمسك بتعاليم الدين الحنيف المؤدي الى رسم الملامح المشرقة وتنطلق من ستر عيوب بعضنا، حينها يكون المؤمنون بأبهى صورهم المجتمعية، ولكي نحظى بهذا علينا بتربية أنفسنا ابتداء ثم من حولنا صغاراً وكباراً وتأدية الادوار بشكل صحيح والعمل بمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بذلك سوف نحد من تنامي هذه المعصية القبيحة علنا نصل لدرجة أقرب الى المجتمع المثالي الذي وضع اسسه نبينا الاكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).