مهما وصلت لمراحل متقدمة من السعي في التحكم الذاتي، لا تظن بأنك غلبت الشر في موطن ما في نفسك وإنك تغلبت عليه ودحرته ومات! الشر لا يموت، يفقد وعيه قليلاً، يتخدّر، ومن ثم يعود بوجه متجدد، في حادث مختلف، في مكان ما على هيئة شيء آخر, من البلاهة الرهان على العفة المطلقة لأي أنسان على وجه الأرض، فالمرء يعانق في نفسه الخير والشر، يُخرجُ ما يشاء ويُضمر ما يشاء وما تسوّل له نفسه بإظهاره.

يتواجد الوجهين الشرير والطيب، بإحساس واحد دون تفضيل أحدهم على الآخر, وكما للخير أسبابه الخاصة التي تدفع بصاحبه إلى نشر المحبة والمودة والسلام في الشوارع والأزقة وحقول الورد، لغاية نبيلة, كذلك للشر أسبابه! قد يوهمك بتجردك منه، وحتى الترفع عنك، ولكنه ينتظر الفرصة المناسبة كي ينهال عليك من اتجاهاتك الست، ويسلب منك الخير كله، ومن ثم يعصرك كي تتخلص من آخر قطرة عالقة فيك، حينها يطلق سراحك.

 الشر لذيذ، فهو يبرع في قتل الضمائر ويحرر النفوس الضعيفة، مزوداً إياها بالقوة المطلقة الكافية لدحر القوانين والأنظمة الشرعية، متيحاً لها كافة الصلاحيات غير الأخلاقية, فأنت نفسك أيها الإنسان لو تذوقت قليله لأدمنت كثيره، ولرميت بعفتك ومبادئك جانباً، هاملاً إياها غير معترف بصلاحياتها.

اجعل شرور نفسك قريبة من مراقبتك وبصيرتك وتحت رعايتك، وأمسك زمام الأمور وابق يقظاً على الدوام، إن لم تسبق شرّك بخطوة باستمرار، فإنه سيجتازك بأميال كثيرة، وفي كل خطوة يسبقك بها سيجعلك تعيشُ حالة من اللهاث المستمر للوصل إليه واقتفاء أثره ومحاولة اجتيازه للحاق بالركب الصالح.