يتباين مفهوم أو تعريف المثقف في المجتمعات العربية، فهناك مفهوم متداول يشير إلى إن كل شخص أنهى دراسته الجامعية هو بالضرورة مثقف، أو كل قارئ، أو كل شخص قادر على الحديث في أكثر من موضوع؛ لكن في الواقع إن التعريف الحقيقي يأخذ أبعادا أوسع من تلك التعبيرات البسيطة، فالمثقف هو ذلك الشخص القارئ بمزايا خاصة فهناك أيضا فرق بين القراءة العادية أو التقليدية وبين القراءة الانتقائية التشريحية، وهي ما يميز القارئ العادي والقارئ الواعي، وما يتبع هذه الميزة أو ما يكملها هو القدرة على التأثير، فالثقافة هي المعرفة والدراية عن كثير مما يحط بنا من معلومات تاريخية وعلمية وأدبية واقتصادية وسياسية وغيرها من العلوم الأخرى، لكن من يمتلك كم من المعلومات ولا يتمكن من نقلها أو نشرها بطريقة ما، أو يعجز عن التأثير بمحيطه أو يحاول الاحتفاظ بمعرفته بمعزل عن الآخرين لا يمكن أن نطلق عليه مصطلح مثقف

أعرف عن كل شيء

يقول توماس هنري هكسلي: "حاول أن تتعلم شيئا واحدا عن كل شيء، وكل شيء عن شيء واحد"، يوضح عالم الأحياء والأنثروبولوجيا هكسلي بهذه العبارة مجموعة من الاشارات المباشرة لأي شخص بخطاب عام وليس خاص لفئة معينة، وبالتالي فإن كل انسان معني بمسألة المعرفة والبحث والتأمل والاكتشاف وهذه الأمور تحتاج إلى تمهيد وهو التعليم المدرسي والتعليم الذاتي؛ وفي بعض الحالات الخاصة التي يتعذر معها إكمال التعليم المدرسي يكون الاطلاع الذاتي والرغبة بالمعرفة أدوات يمكن أن تقود الانسان للوعي اللازم والقدرة على تداوله لاسيما في جانب خاص كالأدب أو التاريخ أو الفلسفة، وفي عصرنا الحالي مع تعدد مصادر المعلومات وسهولة انتقاء الكتب بمختلف مضامينها أصبح لكل شخص حظوة أكبر بإشباع نهمه المعرفي، كما ظهرت مجموعة من المنصات الحوارية لتمرير معلوماته أو مناقشتها للوصول إلى فهم أعمق، وفي الوقت ذاته ظهر جمع من مدعي الثقافة وهم يعتبرون أنفسهم على قدر كافٍ من الفهم؛ لكن واقعا هم فقط وسطا ناقلا للمعلومة من دون محاولات لفهم المعلومة وتفسيرها وتحليلها والرجوع إلى مصادر خاصة وبذلك اختلط المفهوم الثقافي وصار التمييز مقترن بالتأثير فقط وهذا طبعا ليس الركن الأساس ولا يمكن أن يحقق شيئا بغياب الجهد الذهني التراكمي

سمات المثقف

هناك سمات تتعلق بشخصية المثقف وهي بالطبع أدوات مهمة، ومنها قدرة التغلب على الخجل وامكانيات الاندماج الاجتماعي ومهارات الحوار التفاعلي، فتلك السمات تحقق شرط التأثير وبضعفها يكون الشخص منعزلا عاجزا عن نقل معرفته للآخرين، ويشير بعض علماء النفس وعلماء الاجتماع إلى مسألة مهمة تتعلق بانعزال المثقف اجتماعيا، إذ يعاني بعض القارئين المنطويين على أنفسهم من مشكلات نفسية؛ لأنهم لا يقوموا بعملية التفريغ الذهني أو إعادة ترتيب المعلومات فتتراكم تلك المعرفة وتتزايد الأسئلة وهنا قد يعاني من صعوبة تقبل الاخر ويكتفي بذاته ويعزف عن إقامة علاقات اجتماعية جيدة لصعوبة إيجاد شخصا يمكنه أن يوازيه بالفهم، وبالتأكيد يحتاج المثقف أن يرتب أولوياته قبل كل شيء لأن الثقافة فهم وأداء.. بل رسالة، والرسالة لا تصل من دون تبليغ ودعوة ومحاكاة؛ لذا فإننا ندعو من خلال وجهة ثقافية كل الكُتاب المثقفين أن ينقلوا لنا تجاربهم المعرفية لدفع عجلة المهارات الفكرية نحو التقدم والتطور الشامل.