نسير في طرقات مدينة كربلاء المقدسة المؤدية إلى حرم الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس (عليهما السلام) في أيام شهر صفر الخير ونحن مأسورون بهول المشاهد التي يمكن للقلب ان يلاحظها قبل العين, فصور الخدمة التي يقدمها المحبون تتجلى فيها كثير من المبادئ والصفات الإنسانية طاغية الحضور, فالإخلاص والإيثار والمحبة وكبت الغضب والكرم وغيرها تتجسد في كل شخص يحمل في قلبه حب الحسين (عليه السلام) وفي عقله ثقل القضية.

لا يسعنا في هذا المنعطف الزمني كل عام سوى الشعور بالعرفان لهذه المناسبة العظيمة (أربعينية الإمام الحسين), كونها تساهم في تهذيب النفوس وتذويب الخلافات؛ حتى خلافات المرء مع نفسه, ففي عمق هذا العطاء الأربعيني أسرار لا يمكن كشفها قبل الولوج في عوالمها الحسينية والإبحار بالتفكير بقارب التأمل والتجديف بالتدبر, للإجابة عن أكثر سؤال يدور في أذهان كل إنسان تصل إليه مشاهد الأربعين بأي شكل من الأشكال, وهو ما السر الذي يجعل هذا العزاء خالدا؟

ربما تتعدد الإجابات لكن الحسين واحد... هو الحسين السر والجواب في الوقت ذاته, فالدرس الذي قدمه الإمام ظهيرة العاشر من محرم لا يمكن أن يذوي مع مرور الوقت بل على العكس إنما هو نهضة سنوية من ركام الغفلة ولهو الحياة, وانعتاق روحي لممارسة شعائر مقدسة تضفي على الروح لمسة رحمانية, وهذا التجدد والتفنن في مظاهر الخدمة يحيلنا إلى الطمأنينة وكأن من يكون في هذا المشهد المعظم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون, وبالفعل قد نصادف كثيرا من الكرامات التي تسجلها هذه الزيارة العظيمة وغالبا ما تكون هذه الكرامات للإيمان المطلق بأن صاحب العزاء ذا المنزلة الرفيعة يحنو على زواره وخدمته بنظرة من مكانه في أعلى عليين شاكرا تقواهم "ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب".