على طول الطرق المؤدية الى مدينة الشهادة والفداء كربلاء الحسين (عليه السلام) تجد صورا للشهداء منصوبة امام المواكب أو محمولة بيد الاطفال واخرى تحملها النساء، خاصة اذا كان المفقود الابن او الاخ او الاب او الزوج، والفاقدات للاحبة ترى الحزن غلف حياتهن وكيانهن وتجدهن من المشاركات بقوة في الشعائر الحسينية، لأنهن عرفن الآن معنى لوعة الفقد والفراق والحزن التي عاشتها الحوراء زينب (عليها السلام)، لكنهن اصرن على امرين هما، انهن على استعداد لتقديم الاحبة من جديد فداء للحسين وان صبر زينب والمها لا يدانيه صبر كل نساء العالم.


أخت الشهيد

تقول حلا هادي ابو الهيل اخت الشهيد عبد المهيمن وهو من شهداء الحشد الشعبي الذي استشهد في قاطع سامراء، "نحن عائلة حسينية ابا عن جد كنا نقيم مجالس العزاء الحسينية نساء ورجالا وصبيان واطفال واخي الشهيد كان يحرص على اداء الشعائر الحسينية، واستمر الحال بل توسع كثيرا بعد سقوط نظام الطاغية المقبور، واصبحنا نسير الى مرقد الإمام الحسين واخيه ابو الفضل العباس (عليهما السلام) بحرية تامة، وكان الشهيد يحرص على المشاركة في السير الى كربلاء حتى وان كان في الواجب فيأخذ اجازة ويلتحق بالمشاية من اي مكان، وكان يقيم المجالس ويطعم السائرون".

وتضيف "لقد حصل تحول كبير في نفسي وعائلتي بعد استشهاد اخي فانا كنت اتأثر بالعزاء الحسيني وابكي في النعي والقصائد ولكن الان عرفت ماذا يعني فقدان الاخ وكم هو حجم الفراغ في قلب الام عندما تفقد ابنها، واصبحت دمعتي تنزل على اي صورة شهيد تحملها ام ثكلى او طفل يتيم، عرفت الان معنى التضحية العظيمة التي قدمها الإمام الحسين عليه السلام في معركة الطف الاليمة، فانا ابكي على اخ عزيز على قلبي فقدته، فكيف بالحسين الذي فقد اخوته وابنائه وابناء اخيه وابناء عمومته واصحابه، وسبيت نساءه وعياله ونساء اصحابه، وماذا اقول عن زينب (سلام الله عليها) وهي تتعرض الى اقصى درجات العنف والقسوة والضرب وسلب الخيم وضرب الاطفال ( وبكت بحرقة) وكيف يتخيل مجرد تخيل اي انسان حر في العالم ان تضرب زينب بالسياط، تعلمت من تضحية اخي ان تضحيات الإمام الحسين واهله لا تجارى ولا يوجد في الكون كله وعلى مدى سنين التاريخ مصيبة اعظم من تلك المصيبة".

وتابعت ان "أخيها الشهيد كان طالب مدرسة وفي السادسة عشر من عمره وهاجر الى ايران بعد تخوفه من بطش النظام الدكتاتوري، وفارقنا وهو في ريعان الشباب وعاد بعد سقوط النظام البائد، وما ان اصدرت المرجعية الدينية الرشيدة فتوى الجهاد الكفائي كان اخي اول من التحق بالحشد الشعبي ودافع ببسالة عن الارض والعرض والدين والمقدسات ونال الشهادة، ولكننا في العائلة خيم علينا الحزن وأصبحت والدتي فاقدة للذاكرة وانا اصاب بنوبة بكاء شديدة كلما سمعت قصيدة او نعي تحكي عن فقد الأخ او الفراق بين الاخ واخته، وعلمت الان ما هو صبر زينب فلو اجتمع كل حزن النساء لا يعادل دمعة من حزن زينب، فنحن استلمنا جثة اخينا وغسلناها ودفناها واقمنا العزاء وواستنا الناس والاقرباء والاصدقاء والمحبين، بينما زينب (سلام الله عليها) منعت حتى من البكاء بل رفع رأس اخوتها واقربائها امام عينها من العراق الى الشام".


أم الشهيد

جلست ام الشهيد ماهر طه على كرسي قرب موكب على شارع بغداد في البصرة قرب صورة شهيد تنظر الى الصورة مرة والى الشباب مرة ثانية وما ان يتوقف جمع من الشباب حتى تنهض من كرسيها ويوسع خدام الموكب لها الطريق لتقوم هي بنفسها بخدمة الشباب وتوزع عليهم الطعام والشراب وهي تردد ( تحفظكم الزهرة يمه... الله يستركم ويرجعكم لأمهاتكم سالمين غانمين... الحسين حاميكم يمه)، وعند سؤالها عن تصرفها قالت" انا ام هذا الشهيد البطل المنصوبة صورته امام باب الموكب هذا الشاب الحسيني الذي اسس هذا الموكب وكان يحيي الشعائر خلال اربعين يوما من اقامتها، هذا الجندي في قوات الحدود الذي ضحى بنفسه في سبيل الحسين عليه السلام والوطن والدين، فكانت وحدته في منطقة النخيب ووصلتهم معلومات استخبارية تحذر من ارسال سيارات مفخخة لضرب مدينة كربلاء المقدسة واستهداف المراقد فيها، وكان يقف كالصقر في السيطرة وعندما وصلت احدى السيارات المفخخة وتعرف عليها هو وزميله الضابط تصديا لها وامطراها بوابل من الرصاص لكن الارهابي تمكن من تفجيرها فاستشهدا على الفور، ولو عاد ولدي الى الحياة لأرسلته مرة اخرى للاستشهاد في سبيل الله والحسين وزينب ام المصائب التي نخجل من ذكر مصائبنا اما مصيبتها، لكن الحزن لا يفارق قلبي فهو قطعة مني فارقتني.