بين عجوز جلست في خيمة صغيرة تعاني من الفقر حققت حلم حياتها في نصب موكب خدمة بسيط، وشاب كان سليما فيذهب سيرا واقعده المرض فاستمر خادما وسائرا، ومعاق بترت ساقاه فاستمر يسير بعربة الى كربلاء المقدسة وحيدا يستعين بمن يدفعه من السائرين، عامل مشترك واحد هو الاصرار والتصدي.


حلم الخدمة

نجاة حسين التي تسكن على الشارع العام في منطقة آل جويبر بين دارها ومسير الزائرين امتار معدودة، لكنها كانت محرومة من المشاركة في الخدمة الحسينية للزائرين الذاهبين سيرا على الاقدام من ذي قار الى كربلاء المقدسة، لسببين اولهما انها وزوجها لا يملكان قوت يومها وهو يخدم في موكب قريب منهما وثانيهما انها لا تخرج الى الشارع خلال الزيارة، الا ان الاقدار شاءت ان يتوفى زوجها في العام 2013 وتصبح هي المسؤولة عن عائلتها، فبقي حلم الخدمة يراود تفكيرها وكبر الابناء فطلبت منهم ان يحققوا حلمها هذا العام لاول مرة في حياتها وكان لهم ما ارادوا وان كان بامكانية قليلة.

فبدأت بوضع طاولة على شارع آلجويبر ووضعت عليه تمر وراشي وماء بارد وما ان جاء اول زائر وتناول قليل من التمر حتى دمعت عيناها وتملكها شعور لا تستطيع وصفه خليط بين الفرح والفخر والجزن والشعور بالرضا عن النفس، وتضيف "تخيلت اني اصبحت قريبة من إمامي أبي عبد الله الحسين عليه السلام، وبعدها ذهبت الى احد الجيران وطلبت منه جادر فوافق وقام ابنها بتدبير مبلغ فرش السبيس ونصبت هذه الخيمة، واسسوا صندوق للحسين داخل عائلتهم يساهم به ابنها العسكري وتضع جزءا من راتبها التقاعدي البالغ 80 الف دينار وما يجلب ابنها الاخر الذي يعمل كاسب، وتقدم وجبة واحدة فقط مع الشاي والماء، واذا لم تتمكن من من تهيأت وجبة طعام فتقدم الكعك او اللبلبي، اما عن فرش الموكب فتؤكد انه من فرش بيت ابني ومبردة بيتي.


لم تمنعه الاعاقة

مجتبى شهيد الساكن في منطقة آل جويبر( 22 عاما ) كانا سليما معافي يحيي شعائر محرم وصفر في كل عام في منطقته وسيرا على الاقدام من ذي قار الى كربلاء المقدسة، ولا ينقطع عن زيارة مراقد الائمة الاطهار، لكن اصيب بمرض ضمور العضلات جعله مقعدا تماما ويسير على عربة كهربائية، ولكنه رغم ذلك يخدم في المواكب من طفولته ولكن في مكان اخر حيث كان الزائرون يسلكون طريقا اخر، وبعد العام 2007 تحول الطريق الى منطقة آل جويبر ونصبت المواكب وكان موكبهم (قمر العشيرة) من ضمنها، فكان يخدم فيه في اكثر من مهمة ولما اصيب بالاعاقة تخصص بالوقوف بعربته امام باب المواكب ليدعو الزائرين الى الموكب من الفجر الى المساء، ويقصد الموكب مئات الزائرين يوميا من العراق والدول العربية وايران بعد ان يروا حالته وهو ما يدخل السرور على قلبه ولا يجعلنه اشعر بالعجز او الاحراج من اعاقته.

ويؤكد شهيد انه "كان يسير الى كربلاء المقدسة من محافظة ذي قار واصيب ببداية المرض عام 2008 فحاول المسير فلم يستطع فاضطر الى المسير من محافظة النجف الاشرف الى كربلاء المقدسة، ولكن في العام 2010 عجز تماما عن المسير ، ما يعوضه حزنه على عدم المشاركة في المسيرة المليونية، هو خدمته للمشاية في الموكب وحضوره الى مجالس حسينية في منطقته حيث يصطحبه بعض اقرانه بستوتة على بعد اربعة كيلومترات من سكنه يوميا لحضورها"، مستدركا ان "اجواء الاربعينية روحية ولا يمكن وصفها، فيتملكنا الاسى والحزن ونبكي على فراق المشاية، لكن ما يهون هو المسير من النجف الى كربلاء".


وحيد تعينه المشاية

يدفعه بعربته المدولبة شاب يافع ظننت للوهلة الاولى انه حفيده لكن تبين انه زائر استعان به لاكمال مسيرة، انه خزعل خلف لفته ( 70 عاما) المقعد الذي بترت ساقه اليسرى عام 2016 وبترت ساقه اليمنى عام 2020 بسبب مضاعفات داء السكري، لكنه اصر على المشاركة في المسيرة المليونية من محافظة البصرة الى كربلاء الشهادة، وعانى في حياته معاناة كبيرة حيث اعدم النظام الدكتاتوري 15 فردا من عائلته واقربائه، وفر هو الى خارج العراق خوفا من بطش النظام، وعاد عام 2003 الى العراق وشارك بالمسيرة المليونية وهو الخبير بطرق لزيارة حيث كان يمشي سرا في الليل بين البساتين قبل سقوط النظام المقبور، وهو يسير وحيد وريب بين افواج الزائرين الذين يستعين بهم فيدفعون عربته الى مسافات مختلفة ويتناوب عليه السائرون فيوصلونه الى كربلاء المقدسة خلال 15 يوما ليكمل زيارته ويعود الى البصرة.