في ظهيرة أحد الأيام الصيفية في العام 1994 سقطتُ على رأسي من كرسي مكسور في باحة المنزل, في البداية كان الأمر بهذه البساطة؛ طفلة خرجت لتلعب في الحديقة فسمعت صوتا غير مألوف في الشارع لذا صعدت على الكرسي علّها تشاهد ماذا يجري فوقعت على رأسها وارتطمت الجهة اليمنى بقوة على الأرض, أتذكر هذا المشهد واتحدث عنه وكأنه حدث للتو, لم أنس أي تفاصيل في تلك الأيام... نعم كانت أياما عصيبة جدا لأن هذه الوقعة لم تمر مرور الكرام, فبعد أن هدأت من نوبة البكاء وانتهت أزمة التأنيب من قبل والدتي وبعد ساعتين تقريبا استفرغت ما في معدتي, ولسوء الحظ لم يربط أحد موضوع وقوعي على رأسي بعارض الاستفراغ, ثم توالت اعراض اضطراب المعدة بالتزايد لدرجة حتى الماء لا يطيب له المكوث في معدتي أكثر من 5 دقائق, على مدى ثلاثة أيام كنت أذهب مع أمي للأطباء وأمسك كفها بقوة على الرغم من الوهن الذي كنت أشعر به في شتى أنحاء جسدي النحيل, مرت ثلاثة أيام أخرى وصلت فيها لحالة صحية سيئة للغاية, في صباح اليوم السابع حملتني أمي صباحا برفقة أختي الكبرى وأسرعت بي لطوارئ مستشفى النعمان في بغداد, وما أن دخلت إلى الاستعلامات حتى انهارت باكية أمام أحد الموظفين الذي تعرف عليها لأنه كان صديقا مقربا لخالي؛ أياد تبنى دور المنقذ بعد أن حملني مسرعا لأهم طبيب في المستشفى الذي طلب بدوره أشعة سريعة للرأس, ليتضح لاحقا إني أعاني من كدمة شديدة أثرت على عمل المعدة وقدرتها على هضم الطعام أو بمعنى أدق استقباله, بعد ساعات من تناولي لبعض العلاجات واعطائي محلولا مغذيا عن طريق الوريد بدأت أسترد عافيتي شيئا فشيئا, وتم اخراجي ليلا للبيت بعد استقرار حالتي, أيام قليلة وانتهى هذا الكابوس لسنة فقط !!

بعد سنة بدأت أعاني من صداع شديد, جعل أمي دائمة الحزن على حالتي لاسيما بعد محاولاتها لتهدئته بالطرق التقليدية, وبعد مدة قررت أن تأخذني لاختصاصي الجملة العصبية, وهناك طلب منها مجموعة فحوصات تُكلف مبلغا ماليا كبيرا وفي تلك الفترة من تاريخ العراق كان أغلب الناس يعانون من وضع اقتصادي متردٍ بسبب الحصار الاقتصادي, وهنا قررت أمي أن تلجأ للنعمة التي حباها الله بها وهي الدعاء... لن انسى تلك الليلة ما حييت حينما تمددت أمي ولمست جبهتي بأصابعها الدافئة وبدأت تحصنني بالدعاء وآيات قرآنية مباركة, استمرت على هذه الحالة حتى الصباح؛ فتحت عيني وتفاجأت بنظراتها الناعسة والخائفة ربما؛ وهي تسألني: هل مازال رأسك يؤلمكِ؟.... في البداية أردت أن أتدلل عليها حتى تزيدني من حنانها ولمساتها الدافئة, وعلى نحو غريب استدركت سريعا وأخبرتها إني لا أشعر بأي ألم فما قدمته لي أمي يعجز الطب عن تقديمه, كان دعاؤها علاجا شافيا من كل الأمراض أو على الأقل هكذا أؤمن.

إيمان كاظم