لا يقف التاريخ عند حد على جرائم الأمويين بحق المسلمين عامة والشيعة خاصة فما إن تطالع حادثة تاريخية أو تقرأ عن شخصية قدّر لها أن تعيش في عهدهم المظلم حتى تبرز لك بصمتهم الدموية ونزعتهم الوحشية تجاهها فامتلأت كتب التاريخ بمخازيهم ووحشيتهم وجرائمهم التي ما لا مجال لحصرها
تاريخ بشع يندى له جبين الإنسانية ويقشعر منه الضمير الإنساني الحي، صحائف سوداء وجرائم منكرة، مجازر رهيبة وفظائع مهولة فاقت بوحشيتها جرائم طواغيت العصور
بهذه الحصيلة سيخرج كل من يقرأ التاريخ الدموي والوحشي للأمويين والذي فاق في همجيته وفظاعته تاريخ أكثر الأقوام سادية عبر التاريخ البشري، بل تخطى تاريخهم الأسود في بشاعته وظلاميته وإجرامه بحق الأبرياء حتى العصور المظلمة التي سادت فيها التصفيات العرقية والجنسية والدينية
إن النزعة الوحشية التي جُبل عليها الأمويون كانت وراء ارتكابهم أفظع الجرائم ليس بحق المسلمين وحدهم فقط, بل بحق الإنسانية جمعاء، فلم يكن شيء أحب إلى نفوسهم المريضة من التلذّذ بالدماء وقطع الرؤوس والأعضاء وقتل الأطفال وسبي النساء والسلب والنهب والحرق والتخريب والفساد في الأرض حتى امتلأ تاريخهم بالأعمال الإجرامية وأصبحوا وصمة عار بين تواريخ الأمم
في هذا الموضوع سنقدم إحدى الشخصيات النسائية المؤمنة التي آمنت بالله ورسوله وأهل بيته واتبعت طريق الحق والهدى المتمثل بهم (عليهم السلام) وهذا كان ذنبها الوحيد لتُعاقب عليه بقطع اليد من قبل أداة من أدوات الأمويين الإجرامية ورمز ضال من رموز الشجرة الملعونة وهو المجرم يوسف بن عمر الثقفي والي العراق من قبل هشام بن عبد الملك
على عادة ولاة الأمويين كان يوسف الثقفي هذا جباراً سفّاكاً للدماء لا يختلف عن ابن عمه الحجاج الثقفي في إجرامه وهو الذي قتل زيد بن علي بن الحسين (عليه السلام) وصلبه لمدة أربع سنوات ثم أمر بحرقه ونسفه وكانت أم خالد مائلة إلى زيد بن علي
ولا يذكر التاريخ طريقة دعمها لثورة زيد وكل ما ذكر هو ميلها إليها وهو أمر طبيعي عند كل إنسان يرفض الظلم ولنطالع ترجمتها من خلال التاريخ
ذكر محمد بن عمر الكشي (ت 350 هـ) في ترجمة أم خالد فقال: (حدثني محمد بن مسعود عن علي بن الحسن قال: يوسف بن عمرو هو الذي قتل زيداً وكان على العراق وقطع يد أم خالد وهي امرأة صالحة على التشيّع وكانت مائلة إلى زيد بن علي عليه السلام). 1)
ونقل السيد محسن الأمين في ترجمتها عن عدة أسانيد عن أبي بصير قال: كنت جالساً عند أبي عبد الله الصادق عليه السلام إذ جاءت أم خالد التي كان قطعها يوسف لتستأذن عليه فقال (عليه السلام): أيسرّك أن تسمع كلامها؟ فقلت: نعم جعلت فداك. فقال: أما فائذن فأجلسني على الطنفسة، ثم دخلتْ وتكلمتْ فإذا هي امرأة بليغة، فسألته عن رجلين فقال لها توليهما؟ قالت: فأقول لربي إذا لقيته أنك أمرتني بولايتهما؟ قال: نعم. قالت فإن هذا الذي معك على الطنفسة يأمرني بخلاف ذلك وكثير النوا يأمرني به فأيهما أحبّ إليك؟ قال: هذا والله وأصحابه أحبّ إليّ من كثير النوا وأصحابه، إن هذا يُخاصَم فيقول: من لم يحكم بما أنزل الله .. الآيات الثلاث.. 2)
ويظهر من خلال هذه الرواية إيمانها حيث أنها تستفتي الإمام الصادق في من يجب اتباع قوله ولمن تتولى وممن تتبرأ
كما تظهر لنا أيضاً عقلها وحكمتها وهذا هو جرمها الوحيد لقطع يدها من قبل مجرم أهوج فالإنسان الشريف لا يجرؤ على إيذاء امرأة فضلاً عن قطع يدها لمجرد أنها آمنت بالحق واتبعته
لقد كانت العرب تعيّر من يضرب امرأة في عقب عقبه كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيته لجنده :
(لاَ تَهِيجُوا النِّسَاءَ بِأَذىً، وَإِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُمْ، وَسَبَبْنَ أُمَرَاءَكُمْ، ..... إِنْ كُنَّا لَنُؤْمَرُ بِالْكَفِّ عَنْهُنَّ وَإِنَّهُنَّ لَمُشْرِكَاتٌ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَتَنَاوَلُ الْمَرْأَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِالْفِهْرِ أَوِالْهِرَاوَةِ فَيُعَيَّرُ بِهَا وَعَقِبُهُ مِنْ بَعْدِهِ.)
ولكن أين الأمويون وولاتهم من هذا النبيل والخلق الرفيع ؟
.......................................................................
1 ــ رجال الكشي، ترجمة 110، الحديث 442، ص209
2 ــ أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين - ج ٣ - الصفحة ٤٧٦
محمد طاهر الصفار
واحة المرأة
يعنى بثقافة وإعلام المرأة والطفل وفق طرح عصري