منذ بواكير الرواية الحديثة منذ القرن المنصرم سعى الكتاب إلى تبني بنية سردية مختلفة تعتمد على كسر المألوف السردي من خلال توظيف التشظيات الزمنية والغور في الذات الانسانية المستلبة بسبب الثورة الصناعية والحروب ومن تجلياتها (البحث عن الزمن المفقود) للفرنسي (مارسيل بروست) و(عوليس) للأيرلندي (مارسيل بروست) ، إن التنقيب في الذات الأنسانية في الروايتين لم يخل من ذكورية مطلقة لذا حاولت الروائية الأنكليزية فرجينيا وولف من توثيق الأرهاصات النفسية والجسدية والأجتماعية للمرأة في مقالتها المطولة غرفة للمرء وحده مفككة سلطوية الرجل ، وقد تنامى السرد النسوي المدافع عن المرأة في روايات مثل (جين أير) لـ(شارلوت برونتي) و(كبرياء وهوى) لـ(جين أوستن) اللتين ناقشتا مشكلة الزواج بين الطبقات الاجتماعية من وجهة نظر نسوية ، في حين شهدت السرديات العربية سرديات نسوية دافعت عن حقوق المرأة من وجهة نظر نسوية مثل (سهير القلماوي) و(لطفية الزيات) و(لطفية الدليمي) ؛ فالذات الساردة تحدثت من منطلقاتها وحمولاتها الخاصة بعيداً عن توصيفات الذكورة، فمهما وصف الرجل لآلام الطلق لا يستطيع توصيفها مثل المرأة ؛ ومن هنا نشأت لغة نسوية خالصة بعيدة عن توصيفات العنف الذكورية قريبة من هواجس المرأة مما جعل الأسلوب النسوي مختلفاً سردياً عن الأسلوب الذكوري، ولم تخل السرديات النسوية من الثيمة التربوية والوعظية التي تماسكت في بنية نسقية مع الأسلوب السردي، ولو تابعنا سرديات العالمة الشهيدة بنت الهدى الصدر مثل الخالة الضائعة وليتني كنت أعلم؛ نلحظ التلازم الجمالي بين التقني والموضوعي ؛ فالتقنية الكتابية في الخالة الضائعة اشتغلت على توظيف تموقعات السارد والبنية الاستهلالية والوصف والحوار والتنامي السببي للحدث الذي أدى إلى بروز عدد من الأزمات فالذروة فالانفراج ؛ فالاستهلال بدأ ممهداً للحوارية بين الخالة والأم إذ نقرأ "كانت خديجة جالسة تستمع إلى خالتها تتحدث إلى أمها بصوت يتهدج من البكاء"؛ ومن خلال تشكيلية جملة الاستهلال نلحظ أن الفعل الماضي كان الذي ألحقت به تاء التأنيث يشير إلى تموقع السارد العليم خارج الأحداث وهو ذات الساردة التي عرفت الية تموقعه، وقد وظفت القاصة التضمين القرآني والحديث النبوي في بنية القص من أجل غايتين: الأولى سببية الأحداث والثانية بنية توعوية بطريقة سردية بعيدة عن الإخبار الوعظي، وقد شهد البناء السردي تحولات كبيرة في بنية الشخصيات مثل تحول الخالة وبشرى نحو الصلاح .

لم تكتف الشهيدة بنت الهدى بالسرد القصصي فحسب؛ بل عملت على خلق فضاء سردي نسوي تعاضدت فيه اللغة مع النسق السردي؛ فلغة الذات الساردة أنمازت بخصيصة تقويضية أقل حدة من الخطاب الذكوري مما جعل بشرى تقبل على دعوة والدتها بالصلاح والتقوى بكل محبة وهذا ما تجلى في حوار أمها " هل تعلمين يا بشرى بأنني شعرت خلال هذه الأخيرة براحة لم استشعرها في حياتي من قبل".

إن الخطاب السردي عند الشهيدة بنت الهدى كان خطاباً متماسكاً مبنى ومعنى تجلت من خلاله الذات الساردة التي انمازت بصوتها النسوي المكتفي بذاته والمقدرة البنيوية لمعمارية السرد والتوظيف الجمالي للتوعية الدينية.  

 د.عمار إبراهيم الياسري