شارع متعرج وسيارة عسكرية تجد السير،  تحمل على اكتافها مجموعة من شباب السادة البطاط المتطوعين لتلبية الفتوى.. كان يجلس بينهم بصمت متكئً على سلاحه يرمي بصره نحو أفق بعيد ثم يعود فيقلب أسماء الأشخاص في هاتفه وكأنه يبحث عن شيء ما. حينما نهض أحدهم وقد بدأ يصور في جهاز موبايله وجوه الشباب وهو يشاغبهم بحب، قاطعا تأمل البعض بسؤال موجع "لمن تشتاق في هذه اللحظة؟ " لم ينتبه سلطان لكل ذلك حتى صار وجها لوجه مع السؤال فصرعه كعادته في مواجهة الأعداء، حين رد بعفوية: "بل قل من اشتاق لي في هذه اللحظة؟ أظنها امي"، اعتدل سلطان في جلسته وصار يتكلم بصوته العذب.. فارقت ابي وانا ابن سنتين حينما طارده جلاوزة صدام في الانتفاضة الشعبانية واضطر للهجرة، لحقه اخوتي لأنهم يستطيعون الركض، اما انا الرضيع فقد بقيت أمانة خالي لانشئ في وطني رغما عن انف الظالمين..
احمل سلاحي الان لادافع عن كل طفل رغم أني لم ارزق بذرية حتى هذه اللحظة فلم يمض عن زواجي أكثر من عام وعن كل طالب، رغم اني تركت المعهد التقني والتحقت للفتوى، وعن كل مهجر رغم أن اخي وعائلته غرقوا فيما بعد في البحر بسببها، وعن كل ام قلبها لا يتحمل الفقد.. ثم اطرق فاضاف امي توفيت وانا ابن سبعة أيام، قضيت خمس وعشرين سنة اشتاقها، لكني لأول أمر أشعر انها تشتاق لي، أبناء عمومتي شدوا حيازيمكم صعودنا هذه المرة يختلف وقد وصلنا كرمة الفلوجة..
على أرض المعركة لم يحدث إلا النصر.. لقد استبسل السادة حتى أقروا عين رسول الله فكوا حصار من قبلهم وبالغوا واوجعوا العدو حتى أنه حين صرعهم اخيرا، اخذ جثثهم لشدة غضبه وتشفيه..
كان آخر ما سمعه اب احد الشهداء وهو يتصل على رقم ولده الشهيد صوت داعشي ينتشي بالفرح: "لقد خسرونا مائة وسبعة وثلاثين مقاتلا حتى ظفرنا بهم ولن ترى حتى جثامينهم" . بقي مقطع الفديو المسجل والمرسل لأحد الأصدقاء هو سلوة من يشتاقهم ليزوروهم فيه بدل القبر المفقود، قبر يبدأ بضحكة مهدي وينتهي بابتسامة سيد سلطان.
 
لبنى مجيد حسين