بعد اجتياح الطوفان الوبائي لأغلب شواطئ العالم الآمنة, وبعد غرق العديد من البشر في لجج أوجاعه, واستسلام آخرين لرغبته الشرسة بالخنق حد الموت... لا يسعنا سوى انتظار اللقاح أو العلاج على أمل الخلاص؛ بأن نصحوا قريبا من هذا الكابوس العنيد على صباح يشبه صباحات الماضي الرتيبة والروتينية... نعم؛ بطبيعة الحال لا يمكن إدراك النعمة وتقديرها كما تستحق إلا بعد فقدانها!

توحدنا كلنا بشعور الخوف والقلق؛ مع فارق النسبة بالتأكيد.. بعضنا فقد عزيزا عليه أو عايش أوجاع أحدهم, وبعضنا الآخر قد لا يصدق حقيقة ما يجري ولا يؤمن بوجود مخلوق مجهري قادر على الفتك بهذه الوحشية؛ وفي الأحوال كلها سواء شئنا أم أبينا فنحن أمام جائحة عصرية سايرت التطور الهائل في كل مجالات الحياة لتتطور هي بدورها وتُحير العقول وتحرمنا من متعة فك شيفرتها.

لم نعد اليوم غافلين عن إجراءات الوقاية: بدءًا نُكمم أفواهنا التي لطالما تطاولت بشتى أنواع الكلمات بكل ما تحمله من معنى حسن أو سيء, ونغطي أنوفنا المتمردة لنخفيها؛ المتحجرة بشيء من الغرور, ولا نلمس أعيننا التي رأت ما رأت ولا تفصح بلغتها عن كل ما ترى, ونغسل يدينا من كل ما اقترفته أو سعت لاقترافه, ونتباعد بأجسادنا عن بعض كأننا أقطاب مغناطيس متشابهة... مسافة لا بأس بها بيننا قد تكون خطوات معدودة لكنها أميال شاسعة من التفكير والتأمل لمعرفة المواقع الحقيقية لكل من حولنا... لكن الأهم من كل ذلك هو مناعتنا المخلصة.. ففي حال لم تنفع وسائل الحماية واخترق الفيروس حصننا الجسدي نحتاج أن نقاوم بمنتهى الإيمان, بجيش قوي تحت إدارة جهاز المناعة الباسل؛ فتاريخه العلمي يتحدث دائما عن صولاته مع أعداء الجسم وكيف يستنفر كل طاقاته الدفاعية من أجل ملاحقة المتسللين وقتلهم واحدا تلو الآخر, حتى يعلن السلام تحت شعار (إني ذقت الطيبات كلها فلم أجد أطيب من العافية) ليدخل ذلك المحارب العتيد فترة استراحته تحسبا لأي طارئ يهدد سلامة البدن.

وعليه... فإننا لا نملك إمكانية تغيير أقدارنا, ولن نتهاون بالطبع عن فعل أي أمر ينهي هذه الأزمة ولكن ضمن المنطق والمعقول أغلبنا عاجز عن إبادة جيوش كوفيد19.. أما ما يمكننا فعله لأنفسنا ولسوانا فهو المطلوب في هذا الزمن العصيب الذي سيغدو حكايات مثيرة لجيلٍ قريب.. فنحن نملك الابتسامة المُطمئنة في وجوه مرايانا ووجوه الآخرين, نملك الكلمة الطيبة المانحة أقصى درجات التفاؤل, نملك الإيمان بالله وبقدرته وإعجازه في خلقه وهبته لنا حارسا مناعيا يدافع عنا حتى الرمق الأخير إن شعر بثقتنا به, نملك العقل الذي من خلاله يمكننا التفريق بين خطأ التعامل مع الوباء والصواب الذي يقينا الإصابة به بنسبة كبيرة, كما نملك اللحظة التي نعيشها الآن ونحن بتمام العافية.. تُرى ماذا يتوجب علينا أن نعمل دون هدر مزيدا من التسويف؟!!

إيمان كاظم