كانت الساعة لا أدري... فمنذ أيام هجرت النظر إلى الوقت؛ فهو الآخر لم يعد رحيمًا بي وتحالف مع أوجاعي وسايرها ببطء قاسٍ... حاولتُ استدعاء بعض الذكريات المهدئة، كنت أخشى بذل أي مجهود نفسي إلى جانب هشاشة بدني وضعفه وربما استسلامه مبكرًا دون مقاومة تجعلني أفتخر بولائه لي...
أ يعقل؟
هل عليَّ أن اقتنع بهكذا نهاية مأساوية تتجاوز قدرتي على تخيل أسوء الاحتمالات!! حتى هذه القصة التي أكتبها على فراش انتظاري للنهاية.. أكتبها وأنا مضرجة بشتى الأسلحة الطبية المناهضة لظلم ذلك المخلوق النزق؛ للحد من شراهته, وإيقافه عن التهام صبري وطموحي ورغبتي في متابعة الحياة... اتوسل الله أن يجعل النهاية وشيكة.. (أي نهاية)...... فأنا على يقين بختام الأشياء سواء بموتها أو بداياتها الجديدة قبل الختام الأخير... أو أتوسله الراحة لساعاتٍ أو دقائق تُوقف سعير الصراع المحموم داخل جسدي؛ لأنام على أمل فزعٍ يوقظني من هذا الكابوس فابتسم بعد لحظات ببقايا ملح شق طريقه في وجهي بعد نوبة من البكاء الصامت خلال غفوتي؛ لكني أتخيل واتحايل على نفسي فقط.. فأنا لست نائمة وألمي ليس كابوسًا وما أعيشه ليس سوى حقيقة تجرأت وكتبتها على قصاصات أوراق التحاليل المتراكمة على حافة سريري, بل زنزانتي المحتجزة فيها بجريمة الإصابة بفيروس متغطرس لا يفرق بين القوي والضعيف ولا يبالي بأعمار ضحاياه ولا يشفق على أحدٍ مهما كان تاريخه حافلًا بالعذاب...
ها أنا أتضور حسرة على ما مضى من سني عمري, لم أنتبه وربما تعمدت التغاضي عن التفكير بالموت رغم أني أثرت سؤالًا في طفولتي لم أحصل على إجابة تُصرف مخاوفي إلى هذه اللحظة "لماذا يشبهون الموت بالشبح... من عاد من موته وأخبرنا بذلك؟"... قريبًا سأحصل على ردٍ فعليًا حينما ألتقيه بنفسي... ومع هذا أشعر بوحشة المجهول. لكن.. "لماذا توقفت عن الأسئلة.. لماذا فقدت شهيتي عن الحياة دفعة واحدة؟"...
زجرتُ نفسي: "أ لن تتمسكي بحسن ظنكِ به؟"
فجأة... ابتسمت رغم ضيق صدري وشبه الاختناق... شعرت به يملأ المكان... بل تحسست وجوده في أوردتي, كيف استسلم لهذا المخلوق المتناهي في الصغر؟
يا ربي... سامحني لم أنس كف قدرتك.. ولن أتناسى كيف يكون كل شيء خاضعًا لحرفيّ (كن) بإرادتك... سأتوقف عن متابعة كتابة قصتي مع المرض وأعتذر من الطبيب على عبثي بأوراق المستشفى... لاسيما وأنا أشعر بأني أفضل حالًا واقتربت حرفيًا للخلاص من هذه الحرب الطاحنة بيني وبين أغرب عدواً صادفته في حياتي...
بعد عشرة أيام...
جمعت الممرضة ملفات المرضى الذين كانوا راقدين في ردهة الحجر الصحي... منهم من وافته المنية, ومنهم من ينتظر الشفاء بإصرار حقيقي... أما أنا... كنت في غرفتي أفكر بقساوة هذه التجربة حينما تواصلت الممرضة معي هاتفيًا بعد أن أخذت رقم هاتفي من تقرير حالتي؛ لترسل لي هذه القصة على شكل صورٍ إلى إحدى تطبيقات الهاتف... لتختم إرسال الصور بعبارة "ستحتاجين مزيداً من الوقت لتتعرفي على ملامح الموت إن كان يشبه الشبح أم لا يشبه شيئًا على الأطلاق... الحمد لله على سلامتك".
(أنتهى)... بداية أخرى!
إيمان كاظم
واحة المرأة
يعنى بثقافة وإعلام المرأة والطفل وفق طرح عصري