نص حق المستنصح وفق ما ورد في رسالة الحقوق للإمام السجاد (عليه السلام):
(وَأَمّا حَقّ الْمُسْتَنْصِحِ فَإِنّ حَقّهُ أَنْ تُؤَدّيَ إِلَيْهِ النّصِيحَةَ عَلَى الْحَقّ الّذِي تَرَى لَهُ أَنّهُ يَحْمِلُ وَتَخْرُجَ الْمَخْرَجَ الّذِي يَلِينُ عَلَى مَسَامِعِهِ وَتُكَلّمَهُ مِنَ الْكَلَامِ بِمَا يُطِيقُهُ عَقْلُهُ فَإِنّ لِكُلّ عَقْلٍ طَبَقَةً مِنَ الْكَلَامِ يَعْرِفُهُ وَيَجْتَنِبُهُ وَلْيَكُنْ مَذْهَبُكَ الرّحْمَةَ وَلا قُوّةَ إِلّا بِاللّه).
من هو الناصح؟
يمكننا تعريف الناصح من أكثر من وجهة نظر, لكن أهم ما يمكننا الابتداء به هو تعريف الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) ومساوته الدين مع النصيحة إذ قال في حديثه الشريف "الدين النصيحة" وهذا يدل على ثقل مسؤولية الناصح على اعتباره صاحب الدور الرئيسي في تقويم الأخطاء والإرشاد وهي من صفات الأنبياء, إذ تشمل النصيحة على أمرين رئيسيين وهما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فقد يكون لشخصٍ ما كم هائل من الشعور بالآخرين واستحباب حثهم على الأفضل وفي هذه الحالة ليس شرطاً أن يكون المستنصح على خطأ.. ربما توجه له النصيحة لدواعي تعزيز الجانب الإيجابي وهذا حتماً سيكون في صالحه ولن يسبب فجوة بين الناصح والمستنصح كما في الوجه الآخر للنصيحة من باب النهي عن المنكر.. هنا على الشخص الذي يبادر إلى تقديم نصيحته أن يعي الطريقة الأقرب التي توصله إلى مراده من دون إحداث نتائج عكسية تسبب نفور المستنصح وبعده عنه, وربما تماديه في المنكر بسطوة العناد؛ لذا فأن أهم مقومات شخصية الناصح هي الاعتدال بالخطاب المقترن بالنوايا السليمة.
لغة النصيحة
قد نتساءل عن ما هية اللغة التي نعتمدها في النصيحة ونعني باللغة الأداء الكلامي للناصح, وهنا لابد من إيضاح بعض التفاصيل المهمة التي تعطي لهذا الأداء زخماً إيجابياً يحقق غايته, أولاً نحن نتفق على تفاوت القدرات الاستيعابية بين الأفراد فضلاً عن تفاوت الميول والرغبات والدوافع.. وكل شيء فنحن بنو البشر نتشابه إلى حدٍ ما لكن لا نتطابق, وقد يتباين تشابهنا حد الاختلاف.. وعليه فأن لكل شخص مدخلاً مختلفاً للوصول إلى عمق ذاته الإنسانية ولمس مكامن الشعور فيها, وهذا ما ينبغي أن يتحلى به الناصح أي بالمقدرة على التقرب برفق من المستنصح مع مراعاة استخدام العبارات اللينة التي من السهل مرورها إلى العقل والقلب بالقوة ذاتها؛ ليتسنى له أداء الدور بدون حواجز تحول بين الطرفين وتُضيع الهدف من النصيحة سواء كانت نصيحة تنشد السعي إلى الأفضل, أو نصيحة تنهي عن أمرٍ سيء فكلاهما تحتاج إلى لغة تتلاءم مع الفروق الفردية بيننا, وهذا تحديداً ما أشار إليه الإمام السجاد (عليه السلام) في رسالته الخالدة لإرساء حقوق الانسان بعبارة " وَتُكَلّمَهُ مِنَ الْكَلَامِ بِمَا يُطِيقُهُ عَقْلُهُ فَإِنّ لِكُلّ عَقْلٍ طَبَقَةً مِنَ الْكَلَامِ يَعْرِفُهُ وَيَجْتَنِبُهُ...".
النصيحة غير المباشرة
من جملة الأمور التي تعطي نتائج مثالية في موضوع النصح هي النصيحة التي تتخذ شكلاً بعيداً عن الخطاب المباشر, وتكون بسرد قصة معينة أمام المستهدف من النصيحة تحمل موعظة أو تبين عقوبة مقترنة بأمرٍ ما أو تعطي رؤية استشرافية عن نتائج بعض الممارسات التي لا تبدو سلبية ظاهراً لكن على المدى البعيد ستنعطف إلى أتجاه خاطئ... وفي هذا الجانب يكون التأثير على المستنصح أكبر وأشد لكونه سيسمع بتجرد دون أن يضع في ذهنه إنه المقصود وبهذا سيتسع مدار الانصات والتقبل وحتى فهم المراد من الكلام من دون تعصب أو نفور وهذا ما يحقق مفعول النصيحة من دون آثار جانبية على ارض الواقع.
إيمان كاظم
واحة المرأة
يعنى بثقافة وإعلام المرأة والطفل وفق طرح عصري