الحلقة الثانية عشرة (الأخيرة)
الحلُّ والخاتمة ( القفلة )
في هذهِ الحلقة وهي الأخيرة طبعاً من موضوعنا هذا، والمخصصة للنهاية في القصة القصيرة.. بوحدة الحل والخاتمة (القفلة)، وأعني بالحل هنا، هو فك اشتباك عقدة أو عقد القصة، وكذلك أعني بالخاتمة، ختام الحدث القصصي أو الأحداث الى نهاية معقولة ومقبولة ومقنعة للمتلقي، من خلال محاولة القاص المبدع، جمع ولملمة جميع خيوط الحبكة وباقي خيوط الوحدات الأخرى سردياً في نهاية ما، وسيتم ذلك من خلال ايجاد الحل لجميع مشاكل وأزمات القصة أو فك عقد شخصيتها الرئيسية وربما الثانوية أيضاً، والتي تم تناولها في متن القصة السردي.. بل جميع تفاصيل ما أدخل القاص بطله في غمرته من عقد وأحداث وأفكار فيما أسميه بـ(المعالجة)، سواء أجاءت مثل تلك المعالجة للنهاية بالتلميح أو الإشارة، أو بالتصريح والمباشرة، أو بشكل مفاجئ ومدهش، أو كان الحل ضمن المتوقع؛ أي توقعات المتلقي أو خارجها دون مفاجأة ودهشة تذكر، وستكون أفضل خواتيم القصص ونهاياتها على الإطلاق، هي تلك النهايات والخواتيم المفاجئة والصادمة، أو ما نسميه بـ( الضربة النهائية)، بعيداً عن كل التوقعات، وخلافاً لكل الاحتمالات، تلك الخاتمة التي تسحر الذائقة بحسن دهشتها، وتسلب لبّ المتلقي لها.. لساعات وربما أيام وشهور وسنوات، وهي ما سوف يعلق في ذاكرته طويلاً، وربما الى الأبد.
حالات نهاية القصة
سيتم رسم نهاية القصة بثلاثة اشكال كما أحسب:
أولاً: أن يختم القاص قصته بنهاية سعيدة، وهو الغالب في القصص.. من حيث الرغبة في اسعاد القارئ، وربما زرع البهجة والتفاؤل في نفسه؛ أي التسلية.. وهو ما قامت عليه القصة أصلاً في بداياتها منذ آلاف السنوات في الحكايات الشفاهية من خلال الحكواتي.
ثانياً: تكون الخاتمة بالنهاية الحزينة (المأساوية) كأن يكون موت أو قتل البطل، أو تأجيل انتصار الفضيلة، والتي ستثير في ذهنية المتلقي العديد من الأسئلة الوجودية، حول كينونة الإنسان وماهية الحياة والقدر والوجود، وما الى ذلك من اشياء.. مطلقةً في ذاته حمى البحث عن أجوبة شافية لكل تلك الأسئلة.
ثالثاً: تكون بالنهاية المفتوحة؛ أي حسب تلقي القارئ وفهمه وتأويله للقفلة من دون أن يفرضها القاص أو يحددها له؛ أي تلك التي يمكن قراءتها على عدة احتمالات في آن معاً، وحسب تأويل المتلقي وفهمه وربطه واستنتاجه.
هدفية القصة
ما أريد توضيحه هنا، والوصول اليه فعلاً في نهاية الموضوع، هو التنويه الى ضرورة الانتباه الى قوة الإقناع في متن القصة السردي، ولا يتأتى ذلك بسهولة إلا من خلال دقة التوظيف في دلالات اللغة، وحسن اختيار ضربة الختام، فهل بعث القاص الروح في الأشياء مثلاً؟ هل وفق في دغدغة مشاعر المتلقي حزناً وفرحاً؟ وجعله يبكي أو يضحك!
وبالتحديد هل نجح في رسم النهاية وفق مقتضى حال متن القصة السردي؟ وفي النهاية تكمن فيها قيمة العمل برمته تقريباً؛ أو ما يمكن أن نقول عنه قطف الثمرة؛ أي الهدف والغاية من ورائه، وهل بالفعل يستحق هذا الأمر أن يُكتب في قصة.. بل ما الذي كان يريد القاص قوله لنا تحديداً في قصته؟ هل كان جديراً بتعبنا في قراءته؟ وهل نجح في اقناعنا وأشعرنا فعلاً إننا إنما إزاء حياة وشخصيات على الورق، ولكنها كانت تنبض بالحياة، كل تلك الأسئلة مطلوب الإجابة عنها بنعم، لكيلا يقع العمل الإبداعي في هوة التعسفية.. بمطبات العبثية، واللاهدفية، واللا موضوعية، وهو ما يتنافى مع ماهية الأدب أصلاً.
خاتمة الختام
هذه المهمة بفتح الميم، وأقصد بها مهمة ربط جميع خيوط الصراع والحدث والشخصيات والزمان والمكان في نقطة الحل والنهاية من خلال الحبكة.. ستكون مهمة لا تخلو من صعوبة ومجازفة سردية حتماً.. حيث إن جميع ما تم تناوله في متن القصة القصيرة؛ يجب جمعه وأن يوضع له حل ونهاية وختام، أو حتى بعض الاستفهامات المثارة في ذهنية القارئ أيضاً ضرورة درج إجابات ضمنية عنها جميعاً، ولا يستثنى من ذلك الكبير الرئيسي أو الصغير الهامشي من الموضوعات والأفكار الواردة خلال سير الحبكة، وأثناء تصاعد سير الحدث، وهنا تكمن الصعوبة.. إذ إن القاص لا يجب أن ينسى خيطاً من خيوط الحبكة سائباً، أو فكرة عائمة دون ربطها في نقطة النهاية أو القفلة، وحتى الأسئلة لها إجابات ضمنية شافية ومقنعة، لتوليد التأثير المطلوب في المتلقي، وربما إحداث التغيير في ذاته من خلال كسب رضاه ومتعته واعجابه بالعمل القصصي، إذ لا يجب أن يخرج المتلقي من قراءة العمل الإبداعي نفسه كما دخل أول مرة الى قراءته، وليطمئن أخيراً، إنه أمام قاص جاد في سعيه، وموهوب في سرده، بل وإنه إزاء فن راقٍ.. بل لعله أرقى فنون الأدب وهو القصة القصيرة.
طالب عباس الظاهر
واحة المرأة
يعنى بثقافة وإعلام المرأة والطفل وفق طرح عصري