نــص حــق الصدقــة وفــق مــا جــاء فــي رســالة الحقــوق للإمــام الســجاد (عليــه الســلام)

(وأما حق الصدقة فأن تعلم أنها ذخرك عند ربك، ووديعتك التي لا تحتاج إلى الاشهاد، فإذا علمت ذلك كنت بما استودعته سراً، أوثق بما استودعته علانية، وكنت جديراً أن تكون أسررت إليه أمراً أعلنته، وكان الأمر بينك وبينه فيها سراً على كل حال، ولم يستظهر عليه في ما استودعته منها بإشهاد الاسماع والأبصار عليه بها، كأنها أوثق في نفسك لا كأنك لا تثق به في تأدية وديعتك إليك، ثم حالك منها إلى من لم تمتن بها على أحد لأنها لك، فإذا امتننت لم تأمن أن تكون بها على تهجين مننت بها عليه، لأن في ذلك دليلاً على أنك لم ترد نفسك بها، ولو أردت نفسك بها لم تمتن بها على أحد، ولا قوة إلا بالله)

صدقات غير معلنة

أكــد الإمــام الســجاد (عليــه الســلام) فــي الجــزء الخــاص بحــق الصدقــة عــن أهميــة إعطاءهــا فــي الســر, وذلــك لمــا يحققــه هــذا الأمــر مــن اســتحقاق كامــل لأجــر الصدقــات, فمــن يقــدم المعونــة أو أي مســاعدة بشــكل علنــي أو يظهرهــا متعمــداً لكي يلفــت النظــر إلــى مــا يقــوم بــه مــن أعمــال خيريــة؛ فهــو أبعــد مــا يكــون عــن حقــه فــي أجــر عملــه.. لأن لــكل عمــل ضوابــط معينــة وأطــر منطقيــة لا يتــم بصورتــه الحقيقيــة إلا باقتــران مســتلزمات العمــل مــع بعضهــا.

وفــي الصدقــة تكــون أولــى مســتلزماتها النيــة, بــأن تكــون خالصــة لوجــه اللــه تعالــى, أي إن أي مســاعدة نقــوم بهــا هــي حباً باللــه وقربــة إليــه, فعواطفنــا الإنســانية, فــي النهايــة وتفاعلنــا مــع الآخريــن هــي مــن ضــرورات العبــادة والتوجــه إلــى الخالــق بــروح مشــحونة بالنــور, والحــرص علــى ســرية إعطــاء الصدقــات مــن أهــم المصاديــق التــي تؤكــد خلــو الإنســان مــن لوثــة الريــاء والتصنــع والمباهــاة, فمــن يجهــر بصدقتــه إنمــا هو بعيداً عــن هدفهــا, فليــس مــن المنطــق أن نقــدم أي نــوع مــن أنــواع المســاعدات إلــى محتــاج ثــم نقــوم بجــرح مشــاعره بأنانيــة, فالإنســان مجبــول بفطرتــه علــى الاهتمــام بكرامتــه والاعتــداد بذاتــه مهمــا بلغــت ظروفــه مــن قســوة ومهما جارت عليه المصائب, ولعل من أكثر مصائب البشر هــي العــوز والفقــر والحاجــة إلــى النــاس؛ لــذا فمهــم جــدا أن نحفــظ لمــن نتصــدق عليهــم كرامتهــم ومــاء وجههــم مــن خــال الحفــاظ علــى ســرية مــا نقــوم بــه وإلا فــلا يذخــر لنــا عملنــا يــوم القيامــة مــع إن مــن أكبــر محطــات تنقيــة الذنــوب هــي الصدقة.

أوجه الصدقات

لعلنــا لا نــدرك تعــدد أوجــه الصدقــة, ونظــن إنهــا تنحصــر بالأمــور الماديــة, ولكــن فــي حديــث لســيد الخلــق محمــد (صلــى اللــه عليــه وآلــه وســلم) إنــه قــال: "الكلمــة الطيبــة صدقــة"

دليــل علــى إن الكلمــة التــي تعيــن الاخــر علــى تجــاوز أمــر محــزن أو مرهــق هــي مــن الأعمــال التــي تــوازي أجــر الصدقــة عنــد الله سبحانه وتعالى, وحتى الابتسامة هذه المبادرة التي تكتنز الجمال في طياتها تكون بمثابة فتح باب من أبواب الأمل والخير كونها لغة إنسانية لا تحتاج لترجمة.

فــكل البشــر يجيــدون فعلهــا, وغيرهــا مــن الأمــور المعنويــة كالتدخــل فــي حــل الخلافــات بيــن المتخاصميــن, ومســاعدة المريــض, والاهتمــام بكبــار الســن.. الــخ, مــن أعمــال الخيــر والإحســان التــي تلتقــي بأجــر الصدقــة فــي رفــع الحيــف والمشــقة عمــن يحتــاج فعــلا لمســاعدتنا وبأكثــر مــن طريقــة هــي منافــذ حقيقيــة لمــد يــد العــون لاســيما وإنهــا تزكــي الأرواح وتحيلهــا إلــى منــازل أقــرب لرضــا الخالــق.

الاجتهاد بالعمل

ثمــة مــن يعمــل بشــكل اعتيــادي وآخــر يجتهــد بعملــه لدرجــة إنــه يخطــط لــه مســتقبليا, وفــي حــدود الصدقــات يوجــد لهــا وجهــا أكثــر ديمومــة وهــو الصدقــة الجاريــة؛ التــي تكــون علــى نحــو مســتمر لأمــد طويــل, وفــي الصدقــة الجاريــة يجــد الإنســان ذاتــه أمــام مبــدأ حقيقــي آمــن بــه وتفاعــل معــه حتــى يمــده بالدعــم المــادي غيــر المنقطــع لإيمانــه بضــرورة اســتمراره, واســتكمالا لفعــل الخيــر, وحتــى بعــد رحيــل الإنســان عــن العالــم المــادي تظــل الصدقــة الجاريــة رافــدا يمــده بالحســنات والرحمــة, فمــا أعظــم هبــات اللــه حينمــا دل الإنســان علــى طريــق الجنــة بالصدقــة.

إيمان كاظم