( الحلقة السادسة)

الحبكة والبناء

رغم إن الحبكة في القصة القصيرة، تعد كأحد عناصر أو وحدات القص المنفصلة والمتفردة بذاتها عن غيرها من الوحدات في التصنيفات النقدية، والتبويبات الأدبية، لاسيما وإن الحديث عن الحبكة غالباً ما يتم تناوله بمعزل عن البناء على وجه الخصوص، كون البناء أيضا عنصر أو وحدة من وحدات القصة القصيرة، كذلك تكون منفصلة ومنفردة وقائمة بذاتها في ذات التبويبات والتصنيفات الأدبية والنقدية المشار اليها اعلاه.

أقول، رغم كل ذلك، إلا إني أحسبهما وحدتين متداخلتين فيما بينهما بشكل يتعذر - كما أحسب - في الكثير من الأحيان الفصل بينهما بسهولة.. لتداخل الخصائص والمهام لكل وحدة منهما مع الأخرى .. إذ انهما يشتركان في الكثير من  والواجبات الفنية الملقاة على كل واحدة منهما.. بتداخل أدبي دقيق، لذا حاولت الجمع بينهما في موضوع واحد هنا.

ولو حاولنا أن نتناول تعريف الحبكة وهو: " مصطلح أدبي يقصد به الأحداث المتتابعة والمتسلسلة التي تتكون منها قصة ما، مع التأكيد على علاقة ( تشابك) الأحداث ببعضها..".

وأما أصل الكلمة لغوياً، فهو من حبكة (بفتح الحاء) من حَبك حَبكا أي الشد الوثيق، وفي مختار الصحاح عن ابن الأعرابي : “ إن كل شيء قد أحكمته وأحسنت عمله فقد (احتبكته).

أما البناء؛ فهو سيمثل بنية أو الهيكل الخارجي المتنامي في سرد القصة القصيرة، وطريقة حَبك بنائها، وسيكون ذلك بأسلوب تصاعدي أو تنازلي ضمن الوحدات الأرسطية الثلاث: ( بداية منتصف ونهاية)، أو بالعكس في حالة البناء التنازلي؛ أي من نهاية الحكاية في القصة القصيرة الى بدايتها.

وهناك أيضاً ما هو خارج أطار هاذين الأسلوبين في التبويب الأدبي .. إذ يمكن القاص حَبك قصته أنىّ شاء وكيفما يشاء.. لا أحد يملك حق الفرض عليه بكيفية البدئ، أو بماهية الانتهاء.. باقتراح قوالب جاهزة، كما اسلفنا القول على سبيل المثال الأرسطي في ترتيب الوحدات الآنف الذكر، لكن يبقى المهم في الحبكة أن تكون مقنعة ومؤثرة  عاطفياً في المتلقي.

وعليه فسوف يكون العمل في حبكة القصة القصيرة، كما في النسج اليدوي للسجاد الفاخر كما أحسبه، وهي عملية دقيقة تحاول قيادة الخيوط أو نسج خطوط القصة الرئيسية والثانوية فيما بينها من خلال تداخلها سردياً، وحسن علاقتها فنياً فيما بينها لونياً وهندساً، ومحاولة مزج الألوان لتلك الخطوط.. كما في حياكة السجاد، ويقابل ذلك (الصراع في القصة)، من أجل تشكيلها لوحة من صور أو رسوم نباتية أو غير نباتية أو أشكال هندسية متناسقة فيما بينها بشكل رائع.. سواء في الأطوال او المقاسات أو الأشكال، ولإظهارها أخيراً بتلك الزخارف المحكمة الأبعاد.. المتناسقة الأشكال والألوان جمالياً.

ما سبق من حديث في المثال كان عن صميم عملية حسن تناسق الحبكة في القصة القصيرة.

أما هنا سأتناول فيما يخص البناء، فأقول.. إنه مع ما سبق الحديث عنه في متطلبات الحبكة، لكن هنا سيضاف اليها وعياً فنياً متقدماً من اجل تنمية الحدث، أي تصاعده نحو الذروة، ومن ثم الانحدار الى النهاية او الحل في ختام القصة، اضافة الى ذلك، يتطلب المقام هنا هو التنامي للشخصية الرئيسية.

وسأضرب مثالاً بسيطاً في ذات العملية ..عملية حياكة السجاد، وسأبدأ المثال من خلال طرح التساؤل التالي:

هل هناك خطة منظمة في عملية الحياكة؟ وهل هناك تنسيق الأشكال والأوان للوصول للهدف؟

الجواب سيكون بالتأكيد نعم، الهدف سيكون أولاً الفراغ من حياكة السجادة، وثانياً احكام تشكيل الصور والزخارف في نسيجها الداخلي.

حتى في عملية النسج هناك بداية ووسط ونهاية، لعله دائماً النهاية هي ذاتها البداية في نسيج السجاد، ولكن في بناء القصة القصيرة أيضاً سيكون من الضروري العودة الى البداية، لكن هنا بوضع الحل لما تم تناوله سردياً في البداية.. بضربة القفلة النهائية.

طالب الظاهر