كتب على أم أيمن أن تعيش وتشاهد وفاة رسول الله (ص) فقد امتد العمر بها لترى هذه المصيبة العظيمة على قلبها فكان حزنها شديداً عليه, فالدمعة لا تفارق عينيها والحسرة واللوعة تمتزجان في صدرها فرثته رثاء المحزون الملتاع الذي فقد أعز إنسان على قلبه:
عينُ جــــــــــودي فــــــــــإن بذلكَ للدمعِ شفـــــاءٌ فأكثري من الــــــبكاءِ
حين قـــــالوا الرسول أمـــسى فقيداً * ميتاً كان ذاك كـــــــلّ البلاءِ
وابكيا خــيرَ مـن رزِئناه في الدنــيا * ومن خصّه بـــــوحي السماءِ
بدموعٍ غــــــــــــــزيـرةٍ منكِ حتى * يقضيَ اللهُ فيــكِ خيرَ القضاءِ
فلقد كان ما علــــــــــــمتُ وصولاً * ولقد جـــــاءَ رحمةً بالضيـاءِ
ولقد كان بعد ذلك نـــــــــــــــــوراً * وسراجاً يضـيءُ في الظلماءِ
طيّبُ العودِ والضريبةِ والمعـــــدن * والخيــــــــــــمِ خاتمُ الأنبياءِ
وقد كانت كثيرة البكاء عليه (ص) فقيل لها أتبكين ؟ قالت والله لقد علمت أنه سيموت ولكني إنما أبكي على الوحي إذ انقطع عنا من السماء.
لقد أخلصت أم أيمن في ولائها لرسول الله في حياته وبعد مماته فلازمت الحق واتبعته والتزمت بوصية رسول الله في التمسك بالثقلين القرآن والعترة فنصرت سيدة نساء العالمين بنت المصطفى (ع) وشهدت لها على فدك وإن رسول الله قد وهبها لها أمام أبي بكر.
فعندما أتت فاطمة إلى مسجد النبي وقالت لأبي بكر: إن رسول الله (ص) أعطاني فدكا. قال لها: هل لك على هذا بينة ؟ فجاءت بعلي فشهد لها، ثم جاءت أم أيمن فقالت: ألستما تشهدان ــ تعني أبا بكر وعمر ــ أني من أهل الجنة قالا: بلى. قالت: فأنا أشهد أن رسول الله (ص) أعطاها فدك. فقال أبو بكر: فرجل آخر أو امرأة أخرى لتستحقي بها القضية.
وفي رواية أخرى أن الصديقة الزهراء جاءت بأُم أيمن تشهد لها، فقال لها أبو بكر: يا أُم أيمن هل إنك سمعت من رسول الله (ص) شيئاً بخصوص فاطمة ؟
فقالت: سمعت رسول الله (ص) يقول:
إن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، ثم قالت: وهل يصح أن تدَّعي سيدة نساء أهل الجنة ما ليس لها ؟! ، وأنا امرأة من أهل الجنة ما كنت لأشهدَ بما لم أكن أسمع من رسول الله (ص)، فقال لها عمر – وكان في المجلس – : أنتِ امرأة، ولا نجيز شهادة امرأة وحدها، فقامت أم أيمن غاضبةً، وقالت: اللهم إنهما ظلما ابنة محمد (ص) نبيك حقها, فأشدد وطأتك عليهما.
وجاء في خبر وفاة الزهراء (ع): أنها لما مرضت، دعت أم أيمن وأسماء بنت عميس وعلياً (ع) وقد حضرت وفاة فاطمة الزهراء (ع).
وقد اختلف المؤرخون في سنة وفاتها فقيل بعد وفاة رسول بخمسة أشهر وقيل في زمن عمر وقيل في زمن عثمان ولكنهم اتفقوا على أن قبرها في البقيع.
محمد طاهر الصفار
واحة المرأة
يعنى بثقافة وإعلام المرأة والطفل وفق طرح عصري