إن للبصر حقاً على الإنسان، وهو إمالته عن النظر إلى كل أمر يغضب الله عز وجل فهو مفتاح الولوج لاقتراف الآثام؛ كون الإنسان يستدل على كل شيء ببصره، فينبغي للمسلم أن يغض نظره عما لا يحل له، وأن ينظر إلى ما يُقّوم سلوكه الإنساني ليستفيد منه في بناء شخصيته، كما ينبغي له أن يستفيد من هذه النعمة علماً يُهذب به نفسه، وينفع به مجتمعه, وأن يشكر الله عليها ففقدانها تلقي الإنسان إلى غياهب الظلام.

نص حق البصر وفق ما جاء في رسالة الحقوق للإمام السجاد (عليه السلام):

(وأما حق بصرك فغضه عما لا يحل لك، وترك ابتذاله إلا لموضع عبرة تستقبل بها بصراً أو تستفيد بها علماً فإن البصر باب الاعتبار).

بصر وبصيرة

أشار الإمام السجاد (عليه السلام) في مجمل ما طرحه في رسالة الحقوق إلى كيفية تقويم النفس البشرية, وما هي الأسس التي على الإنسان اتباعها ليكون في منأى عن الخطأ والزلل, وكل الحقوق تجتمع لتبين قوة نفاذ البصيرة وهي رؤية القلب والروح لحقيقة الأفعال والأقوال سبيلا للوصول إلى الاطمئنان النفسي, إذ تختلف البصيرة عن البصر بأن البصر هو الرؤية الظاهرية وهو مفتاح ومدخل بوابة القلب حيث تكون البصيرة؛ ولكن لا يعنى إن فاقد البصر محكوم بغياب البصيرة, ومع إنه قابع في الظلمة لكن نور الله يتخلل قلبه ليبصر به حقائق الأمور, والسؤال هنا لمن يمتلك نعمة الإبصار.. هل سخرت هذه النعمة في إنارة مسار الروح؟

هل أعانك بصرك على تقوية البصيرة وإدراك التوازن الإنساني؟

وغيرها من الأسئلة الجدلية التي تتوسل إجابات منطقية تعين الإنسان على كيفية التعامل مع هذه الحاسة التي لا تُعرف قيمتها إلا عند زوالها أو ضعفها.

كيد الحياة

يمكننا القول ( إن كل تقدم في الحياة المعاصرة يكون مصحوبا بغبار الغفلة) وانطلاقا من هذا التعبير القشري لحقيقة عميقة فأن الحياة ترغمنا على مجاراتها مع كل ما تقدمه للنفس من زينة وبهرجة حتى توقعها في شراك الذنب, لذا فأن جهاد النفس الضعيفة أمام زينة الحياة هو أقدس حرب يمكن خوضها في الحياة لأن الانتصار عليها يعني انتصار أسمى صور الحق على الشيطان, واليوم تتخم أنظارنا كثيرٌ من الصور التي لا ينبغي أن تكون في نطاق رؤيتنا لكن التطور السريع في إيقاع الحياة والتكنولوجيا الصورية ساعدت في إتاحة حزمة من الصور الثابتة والمتحركة في شتى الموضوعات, وهنا يأتي دور البصر على فلترة هذه المشاهد وإسقاط ما هو سيئ والتمسك بما هو حسن, فرؤية الأشياء ترتبط بعمل واستجابة العقل, وكذلك تحرك بعض الغرائز والشهوات, لذا لابد من تحصين أبصارنا عما هو محرم لكي لا يلقي في أنفسنا آثار تخيلية عن مشهد معين وبالتالي تحتفظ به ذاكرتنا حتى مع غياب الصورة واقعا.

أنا أرى!

تطرقنا في صفحات ماضية من ملفات درر عن (حق الصغير) ومن الحقوق الواجبة توفيرها للطفل أن نمنحه بيئة نقية, تجعله يرى ويسمع ويحاكي الجمال, والعين هي الحكم الأول على الأشياء, لذا لابد من إقامة جدار بينها وبين القبح فالعين البشرية تعتاد رؤية الأشياء وإذا ظلمناها برؤية ما لا ينسجم مع نقاء السريرة لن تستهجن المشاهد السيئة فيما بعد, ومن هذا المبدأ وكوننا ممن يمتلك القدرة على الرؤية فمن حق ابصارنا أن ندلها على الجمال, وأن تقترن نوايانا ببصرنا ومن ثم ببصيرتنا.

حاسة البصر

ربما تكون العين من أكثر الأجزاء إبداعا في عملها فهي ترتبط بالعقل عن طريق حزمة من الأعصاب, حيث تستلم العين الصورة وترسلها إلى الدماغ الذي يقوم بتفسيرها؛ حجمها, الألوان, القرب والبعد, لذا فأن العين أكثر الأعضاء التي ربما يلحقها الضرر نتيجة الجهد المكثف والتأثر بالعوامل الخارجية, ومن عظيم صنع الله إن موقعها في تجويف داخل الجمجمة وعليها حراسة (الجفون, الأهداب, والحواجب).

إيمان كاظم