ها هو شهر رمضان من جديد يطرق أبواب الجميع دون استثناء، وها هي أولى لياليه ترسم 

خطواتي على طريق الحزن الطويل، مع رؤية الهلال ترتفع أيادينا بالدعوات أن ينالنا العفو 

والرحمة الإلهية... متمنين أن يتمم الله لنا شهر الصيام بقبول الأعمال.. غير أني اشعر أن لشهر 

رمضان في هذه السنة مذاق المرارة!! بعد ذاك الجرح والصدمة التي ما استطع ت أن أ شفى منها 

رغم مرور شهور من الحزن، استحالت أيامي اثرها ذكرى جميلة بنهاية مؤلمة لموعد مؤجل...

ويرتفع صوتي بعتاب فقيد ما رحل: 

عزيزي مرتضى؛ عهدتك كريم ا لماذا جفاني طيفك في أحلامي؟

وأنا الكريمة بمقدار كرمك مع الوطن الذي أهديته آخر قطرة من دمائك، وبالمقابل أهديته انا

سعادتي... وحبيبي... زوجي... وأبا لأولادي...

أتراك لم تأت لأنك ما برحت تسكن شرايين القلب؟ أم لأن جفوني هجرها النوم؟

ليتك تعود لي ليلة واحدة بينما اجهز ضماد لقلبي النازف، لماذا تركتني اشرع أبوابي لعساكر الحزن

وهجمات الألم لتخرّب مدينة أحلامي ورحلت دون وداع أخير، أرى وجوه ا للحزن كثيرة تتزاحم

على محاصرتي.. تقيدني.. تأخذ بجميع ضحكاتي.. أفراحي.. سعادتي.. وتلقي بها بعيدا في ظلمات

سحيقة لا عودة منها، وتتركني في صراع مع الذاكرة ورغد عيش تخليت عنه ذات ظهيرة صيف

ملتهب، بعد عروج روح تدعو بحضور قلب وخشوع معهودين، ترتل آيات القرآن ترتيلا ولا عجب

فحين يكون الإيمان في أعلى مراحل الكمال فإن الطاعة لا تؤجل.

أتممت صلاتك ورحت تستمع لخطبة الجمعة من الصحن الحسيني وتلك الأجواء التي تذكرك

بالخدمة التطوعية في زيارة الأربعين الماضية وانت تنظم دخول الزائرين، وبينما انت تعمل

وتستمع واذا بممثل المرجعية يؤكد على إحدى الفقرات بالقول هذه الفقرة مهمة: (إن من يضحي

منكم في سبيل الدفاع عن بلده وأهله واعراضهم فأنه يكون شهيدا...)، كان من الواضح ان لوقع تلك

الكلمات تأثيرا بليغا عليك، تحولت بفعلها الى جندي يترك عمله ليلتحق بالجهاد قبل انتهاء خطبة

الجمعة، يعيد قطعة السيراميك إلى مجموعتها على الأرض وينادي صاحب الدار ليعتذر إليه عن

إتمام العمل ويتنازل عن أجرة الجزء الذي أتمه ، كأننا لسنا من يقتات بعملك، ثم تكمل كلامك مع

صاحب الدار لتبدد استغرابه - إن المرجعية أصدرت فتوى بالجهاد الكفائي وعليّ الالتحاق للتطوع-

قبل ساعات كنت عاشقا يعيش معي في مملكة الحب وتتغزل بي، ولكن كيف بك حين تتغزل بالموت

الآن، أتراه عشق الشهادة؟.

وكيف لي أن أوافقك على هجري واستأنس لأنسك بوصالها، أ لأنك تحولت إلى بطل من ابطال

الحرب؟ أم أنني طائعة الى حيث لا حد؟.

مرتضى أعلم إن نوائب الدنيا كثيرة وان الجميع تنقصهم أشياء كما كنت تقول، ولكن أكنت تهديني

الصبر حينها بين كلماتك لكي ما اجزع على فراق بات يتوسد في ما بيننا؟ أم انك تهيئني لغربتي بعد

رحيل حتميّ ؟

أنا اليوم منكسرة كفراشة كسر جناحها وما ان تطير حتى تسقط من فرط الألم، وأكثر ما يؤلمني

النظر بعيون صغارنا وحديثهم عنك، ابنتنا تقول: (أمي فليأخذوا جميع ألعابي ليعود أبي)، وابننا

يقول: (مي أود لو ارفع رأسي أتعبتني نظرات الشفقة).....

مرتضى إعلم ان لا غربة أعظم من غربة اليتم، فأولادنا لا يزالون صغارا على اليتم وإنني أحتاجك

على الدوام، أكبرتني هموم أيتامك سنين فوق سنين عمري وافقدتني شهيتي للحياة، ولم يعد في

الحياة ما يفرحني وهناك على الدوام ما يثير شجوني كحلول شهر رمضان اليوم من دونك، كيف لي

أن أنسى وأنا أعد موائد افطارنا في الأعوام الماضية، صورة وجهك الملائكي النوراني تلاعب

صغارنا...

لا زلت اسمع صدى صوتك يصدح بآيات القرآن وأدعية أهل البيت (عليهم السلام) وكيف تترنم

شوقا بحب الحسين وتتحكم بنبرات صوتك في رثائه، لازلت اسمع الأذان بصوتك الخاشع في

أطراف البيت أو يخيل إلي ذلك... أتعلم كم هو صعب أن يحل المساء وانت لا تعود بعد نهار من

الانتظار ويبقى مكانك خاويا بيننا على مائدة شهر رمضان، حبيبي مؤلمة جدا هي دموع اليتم

وطويل هو ليل غيابك، يئنّ قلبي وجعا حين يسأل الأولاد عنك فأحبس دموعي نهارا وما ان تغمض

عيون البراءة افرغها على وسادة احزاني، تتقطع روحي اوصال طوال ليل غيابك، وما من مرفأ

ولا أمل بعودة أو زيارة تطرق فيها أبواب أحلامي سوى إرثك في رثاء الحسين (عليه السلام) وانت

ترتجز باسم ه على السواتر الأمامية بطلب من المجاهدين كي يستمدوا منه القوة والعون على مقاتلة

الاعداء.

وكيف تجمعهم في ليالي الجمعة تقرأ دعاء كميل، اتعلم أيضا أنني احتفظ بمكالمتك الأخيرة، اعيدها

على مسمعي مرارا، اتسلى بصوتك في ليل وحدتي فأبكيك كل ليلة وأنعاك بآهات مكتومة، كنت

تعتذر مني خجلا، انك لن تستطيع العودة في ذاك اليوم وما استطعت العودة بعدها، ورحت تقص

علي بداية النهاية : ( أخذت حقيبتي وبينما كنت اسلم جهاز اللاسلكي استعدادا مني للنزول بإجازتي

الدوري، واذا بي اسمع نداء بمحاصرة عدد من المجاهدين في قمة الجبل، توجهت إلى مكانهم انا

ومجموعة من المجاهدين رغم صعوبة الوصول إليهم بسبب تساقط الأمطار بغزارة، إلا أننا

استطعنا الوصول إليهم ومساندتهم) ، تبددت فرحتي وأولادنا إلى حزن، فقد كنا منتظرون عودتك

ذاك النهار نعد ساعاته رغم علمنا ببعد المسافات بين جبال مكحول ومدينة البصرة، ولكن ثمة

شعور بالفخر يملأ صدري تواعدنا بلقاء قريب ولكن القدر كان أقرب، وبعد شهر من الغياب بعد كل

تلك الأيام من الفراق.... من اللهفة... من الألم... ومن الغربة أيضا... أراك مقبلا في موكب من

المهنئين المعزين، تمر بي قريبا وبعيدا كنجم هارب وسط زغاريد وبكاء وأصوات اطلاقات

الرصاص كعريس يزف الى عروس لم تكن أنا... فأنا اليوم أرملة تحتضن ولديها غارقة بدموعها

حد اليأس، مليئة بالهموم مثقلة بالألم، مشرعة للحزن جميع أبوابها، تتقطع حروف اسمك على لسانها

فتخرج مبحوحة أثر فاجعة ارتحالك، فتنعاك أوتار صوتي، وفصيلة دمي، وراحة يدي، وقلبي

الصابر لا يقبل عزاء غائب ما ارتحل...

بينما هي تعاتب حبيباً تقطّعت نياط القلب لرحيله المفجع، واذا بها ترى صغيرتها تهرول تجاهها

مسرعة، امي تعالي وانظري هلال الشهر الفضيل كيف شق كبد السماء وخرج لتوه مولودا صغيرا،

ولأنها لم ترَ صغيرتها بهذا الحماس منذ عدة أشهر ولا تريد ان تفسد عليها فرحتها، أمسكت بيدها

الصغيرة ولم تخبرها بأن التي فقدت قمرا اصبح الهلال يبكيها.

 

 

اسم الشهيد : مرتضى عبد الرحمن عباس

تاريخ الولادة : 5 / 8 / 1988 م

تاريخ الاستشهاد : 17 / 11 / 2015 م

مكان الاستشهاد : قضاء بلد

المحافظة : البصرة

الكاتبة : مروة خالد