( الحلقة الخامسة)
بدءاً أحبّ التنويه الى إن المراد من هذه التسمية لهذه العتبة النصية، وأقصد بها ( الاستهلال) في كتابة القصة القصيرة، هو طبعاً معنى البدء / الدخول؛ أي كيفية البدئ أو الدخول الى مستهل القصة؟ أو ما هو المناسب أو الأنسب الذي نستهل به كتابتنا القصصية؟ كما في قولنا على سبيل المثال وبشكل أوضح في معنى الاستهلال: مستهل القصيدة/ مطلعها، إذاً فهنا سيبرز سؤال قد يكون ملحاً ومفاده: كيف نبدأ القصة القصيرة بشكل صحيح؟ ماهي الكيفية الأفضل للولوج بسردنا القصصي؟
جوابي سيكون على مثل هذا الاستفسار وهذا الاستفهام.. بما كنت أؤمن به دائماً - ايماني الراسخ - ومازلت، سواء في الأدب بصورة خاصة أو في الفن بصورة عامة، وهو كالتالي: مبدئياً فإن من الخطأ الفادح.. الفرض لقواعد وأحكام جاهزة .. بل ربما الأكثر خطأً هو التعميم لمثل هذه القواعد والفرضيات والأحكام على جميع القصص القصيرة، وربما على جميع القصاصين، وأحسب بأن القضية برمتها وبالمختصر المفيد تنحصر بأن ليس هناك قاعدة نهائية لكيفية كتابة الاستهلال في القصة القصيرة، بل ستكون في رأيي قاعدة كتابة الاستهلال في القصة القصيرة .. هي اللا قاعدة!.
وطبعاً أحبّ الإشارة هنا أيضاً، بأن ليس هناك صح أو خطأ في هذا الأمر بالذات، سواء إن بدأنا بهذه الطريقة أو تلك.. بل هناك دائماً جيد وأجود، بالقياس الداخلي للقصة ذاتها.. وليس من الصحيح اطلاق البعض لأحكام جاهزة خارجية عن متن القصة القصيرة ذاتها أو كيفية كتابته، وأعني هنا تحديدا موضوع الاستهلال في هذه القصة القصيرة أو تلك، وطبعاً هنا الحكم بالجودة نسبة الى ما يفرضه المقام، أي بمقتضى الحال الذي تتطلبه ثيمة القصة القصيرة.. جوها العام.. أسلوب سردها... الخ.
حسناً.. بعض القصاصين يرتئي أن يكون دخوله في استهلال قصته القصيرة صاخباً.. وأعني بذلك يفتتح قصته بحدث مزلزل ثم ينحدر الى تفاصيله وخلفياته، وبعضهم الآخر لا .. يحب أن يبدأها بشكل هادئ ثم يتصاعد عنده سير الحدث ( درامياً) نحو الصخب.
بعض القصص تبدأ وتنتهي بخط سردي مستقيم (مسطح)، وبعضها تصاعدي؛ أي تبدأ بشكل عادي ثم تتصاعد نحو النهاية، وبعضها تنازلي؛ أي تبدأ من النهاية ثم تتجه نحو البداية، أما بعضها الأخير متماوجاً في سردها صعوداً وهبوطاً بشكل جزئي في أحداثها.
أما المنهج الأغلب الأعم في تصوري عند الكثير من القصاصين في استهلال القصة القصيرة، فإنه يبدأ بسرد القصة بوصف تصويري عام للمكان للزمان للشخوص.... الخ.
ثم بعد ذلك وبشكل تدريجي يتم الدخول الى متن قصصهم القصيرة.
طبعاً لا يخفى ما يحتله الاستهلال من أهمية استثنائية في المتن السردي للقصة القصيرة من بين جميع أقسامها وأجزائها ووحداتها، وهنا لعله من حق سائل يسأل: أين تتجلى هذه الاستثنائية؟ ومن أين متأتية؟ ومستندة على أي أساس؟
وجواباً على مثل هذه الأسئلة وغيرها، سأقول: طبعاً القارئ يبدأ القصة القصيرة من الاستهلال، يعني من سطورها الأولى؛ فإذا كانت مشوقة .. جاذبة.. لغة وأسلوباً؛ استرسل في القراءة وأكمل القصة القصيرة، وإلا فإنه تاركها إذا ما بدأت باستهلال غامض، بلغة صعبة، وأسلوب جاف.
إذا، بموجب هذا الفهم للاستهلال في القصة القصيرة ستكون الأهمية استثنائية حقاً، إذا أدركنا خطورة الأمر هنا، لأن مجرد أن يفشل القاص بإثارة القارئ بأسلوب استهلاله لقصته القصيرة؛ سيطلق مثل ذلك القارئ عليها برصاصة الرحمة!، أي يقتلها بإهماله وتركه لها .
وهذا مع الأسف الشديد مطب يقع فيه القصاصين، وسفسطة يقترفها العديد منهم.. ربما البعض منهم يجد صعوبة في الدخول الى قصته، لذلك يلجأ الى مثل هذا الأسلوب غير المحبب.. دون ان يدرك خطورته على قصته وعلى القارئ معاً.
طالب الظاهر
واحة المرأة
يعنى بثقافة وإعلام المرأة والطفل وفق طرح عصري