العنوان
من بديهي القول بأن العنوان في القصة القصيرة يعد من عتباتها الرئيسية وليست الثانوية، أي لا يمكن أن تقوم قصة قصيرة دون عنوان، وقد سبق أن أشرنا الى هذا المعنى في حلقات سابقة من موضوعنا، وتكمن الأهمية في هذه العتبة النصية وأقصد (العنونة)، في إنها أول ما يلامس عين القارئ من النص القصصي كونه (واجهة).
وبالتالي سيكون فاتحة ما يدغدغ ذائقته ووعيه من مرسلات المبدع ومن مبثوثات النص تحديداً، بمعنى أدق يعد العنوان أولى المؤثرات الإبداعية التي لابد من استغلالها فنياً على أفضل وجه؛ أي عتبة الدخول الأهم لمحتوى النص القصصي، ودالة الأسلوبية التي يعتمدها الكاتب في جذب انتباه القارئ، ومن ثم توجيه دفة الإبداع بهذا الاتجاه أو ذاك.
وهناك فرق طبعاً ما بين أن يكون مثل هذا العنوان تقليدياً ومباشراً ومستهلكاً أو حديثاً ومثيراً ومبتكراً.. أي بمعنى، أما أن يكون العنوان سبباً في قراءة النص أو تركه في كثير من الأحيان.
فكم من عنوان جذب انتباه القارئ دون إرادته تقريباً؟ وكان السبب في قراءة النص كاملاً من خلال إثارة فضوله المعرفي.. سواء أكان ذلك من خلال تركيبته اللغوية المبتكرة، أو في معناه أو في مبناه؟
وبذات الوقت كم من عنوان مرّ القارئ عليه مرور الكرام، ولم يتوقف عنده وتجاوزه؟
ولكن، وعلى العموم سيكون العنوان مكون، أما من جملة اسمية أو فعلية أو مجرد كلمة واحدة فقط في الأغلب الأعم من التجارب القصصية.
لكن السؤال الذي يبرز هنا هو: كيف يمكن اختيار العنوان ومتى؟
بمعنى أدق بأي آليات يمكن القاص التحكم بمثل هذا الاختيار للعنونة؟
قبل الجواب على مثل هذا السؤال أود التوضيح بأن ذلك عائد الى الكاتب نفسه، ولـ( لطقسية الكتابة) عنده؛ لكن على العموم هناك طريقتان رئيسيتان ـ كما أحسب ـ في امكانية اعتمادها في اختيار عنوان القصة القصيرة.
أولاً : قراءة وإعادة الكاتب لنصه القصصي بعد انجازه.. مرة بعد أخرى، حتى ينبثق في ذهنه عنوان ما، فيثبته عليه.. من خلال لمسه لثيمة النص الرئيسية، وتحسس خطه الرئيسي.
ثانياً : حضور العنوان مسبقاً في ذهنية الكاتب حتى من قبل الشروع في الكتابة، أي إن ثيمة القصة تسبق البدئ بالكتابة، ومن ثم يتم تثبيته والاشتغال عليه عند الشروع بالعمل لحين انجاز القصة القصيرة .. ربما تأثراً من قبل الكاتب بالموضوع الذي يشير اليه العنوان.
لكن الطريقة الأولى أحسبها أقرب لروح الفن من الطريقة الثانية، وهي التي تأتي بعد انجاز النص، ومحاولة انبثاق ماهية العنوان من روحه الفنية من خلال المراجعة المتكررة لسطوره، أي بمعنى أدق إن الكاتب استجاب لحالته الشعورية فقط، دون تفكير مسبق أو إرادة واعية عن ماذا هو يكتب؟ ولماذا يكتب؟ وكيف يكتب؟
وهذا طبعاً سيكون أكثر من استجابته لحالته الذهنية الواعية في الطريقة الثانية في اختيار العنونة أولاً في خضم الحاح الحضور الذهني لماهية العنوان ومغزاه مسبقاً، سيما وقد ُثبِّت على القصة القصيرة، أو في الذهن حتى من قبل الشروع بفعل الكتابة، وبالتالي تحسس القيد بضرورية الالتزام به.
أما كيفية توجيه العنوان في خدمة القصة القصيرة؛ أي في تحشيد الزخم الإبداعي لدلالاته في متن النص القصصي؟
أو كيفية أداء العنوان لوظيفته الإبداعية في خدمة النص القصصي على أفضل وجه، وأكمل صورة؟
فأقول؛ بأن هذا غير خاضع لمقياس محدد، وليس هناك ثوابت يمكننا الارتكاز عليها، ولن ينفع الفرض مسبقاً لمحددات، أو أطر خاصة أو عامة حتى، ومهما تكن واسعة وفضفاضة؛ أي إنها من أشد المسائل الذوقية حساسية.. المستجيبة للتركيبة الذاتية للقاص، ومميزات الشخصية الخاصة به، وكما أحسب صعوبة التوافق التام على مثل هذا الأمر الشديد الخصوصية، أو ايجاد نقاط محددة يمكن أن يجتمع عليها كل القصاصين، أو حتى الأغلبية منهم، لذا فقد لا يتفق البعض معي عليها أو قد يتفق، لأن الأمر أولاً وأخيراً خاضع لعاملين أساساً، وهما من مكنونات ذات القاص المبدعة، وهذه العوامل هي:
أولا : الموروث الثقافي للقاص.
وثانياً : تأثيرات البيئة المحيطة به.
لكن، ولعله هنا يمكن تأشير بعض الاتجاهات بشكل واسع لمثل هذا الأمر، وهذا الاختيار، طبعاً دون التأطير له، ودون الفرض المسبق لقيود ، أو محددات نهائية، أو القول بأن هذا هو الصواب ودونه خطأ، لأن مثل هذا هو الخطأ عينه!
وهذه الاتجاهات في اختيار العنوان للقصة القصيرة - كما أحسب – ستنحصر في: ايهامي، توضيحي، مخاتل، معاكس، غرائبي، عائم، صادم، فنتازي، واقعي.. وغيرها.
طالب عباس الظاهر
واحة المرأة
يعنى بثقافة وإعلام المرأة والطفل وفق طرح عصري